الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

وقوله تعالى { أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ } ان كان المراد به الامر بحسن المعاشرة فى مرمّة المعاش كان بمنزلة التّعليل لقوله: { وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } على المعنى الاخير وامراً لهم بحسن المعاشرة على أبلغ وجه وأوكده، وان كان المراد الامر بحسن المؤانسة مع الحقّ وحسن المعاشرة مع الخلق كان بمنزلة التّعليل لمجموع قوله { واقيموا الصّلاة } (الخ) والاستفهام للانكار التّوبيخىّ والمعنى انّكم مفطورون على ان تأمروا النّاس بالبرّ والاحسان فى العبادات وبالاحسان مع الخلق ومكلّفون من الله مطابقاً للفطرة بذلك ولا يجوز لكم أن تأمروا النّاس بذلك وتتركوا أنفسكم بان لا تصلحوا بالإتمار فأصلحوها اوّلاً باقامة الصّلاة وايتاء الزّكاة والرّكوع مع الرّاكعين بأىّ معنى أريد، ثمّ مروا النّاس بذلك لقبح امر النّاس بذلك وعدم الإتمار به فى العقل والعرف { وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ } السّماوىّ من التّوراة والانجيل وغيرهما من الصّحف دونهم، او انتم تتلون كتاب النّبوّة وأحكام الشّريعة دون النّاس فانتم عالمون بالمعروف دونهم، فانتم اولى بالإتمار منهم، او المعنى وانتم تتلون الكتاب وفيه قبح الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر ممّن لا يأتمر ولا يتناهى { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } قبح ذلك وعقوبة القبيح بعده.

تحقيق الامر بالمعروف وموارده

اعلم انّ الامر بالمعروف والنّهى عن المنكر واجبان فى الجملة امّا عموم وجوبهما لكلّ فردٍ بالنّسبة الى كلّ واحدٍ من النّاس وبلا شرطٍ فلا؛ فنقول: انّهما واجبان على كلّ بالغ رشيد بالنّسبة الى من فى عالمه الصّغير فانّه اذا تعلّق التّكليف بالانسان كان عليه ان يأمر نفسه وقواه بما علم انّه خيره وينهى عمّا هو شرّه بالنّسبة الى قوّته الانسانيّة كما كان يأمر بما هو خيره وينهى عمّا هو شرّ له بالنّسبة الى قواه الحيوانيّة قبل ذلك، وما لم يعلم انّه خير او شرّ كان عليه اوّلاً تحصيل العلم بذلك ثمّ الامر والنّهى، ومن كان جمعٌ آخر تحت يده مثل امرأته واولاده ومملوكه لا مثل الاجير والمكارى والخادم كان عليه ان يأمرهم بما علم انّه خير لهم وينهاهم كذلك، وما لم يعلم انّه خير او شرّ كان عليه تحصيل علمه اوّلاً ثمّ الامر والنّهى وليس عليه ان يطهّر نفسه اوّلاً ثمّ يستأذن الامام ثمّ يأمر وينهى فانّ من تحت اليد كالقوى والجنود الّتى فى عالمه الصّغير من جملة اجزائه، والامر والنّهى بالنّسبة اليهم مطلقان غير مقيّدين بطهارة النّفس عن جملة الرّذائل وحصول القوّة القّدسيّة الرادعة عن المعاصى، نعم كان عليه ان يأمر وينهى اوّلاً نفسه ويزجرها عن الرّذائل ثمّ يأمر وينهى من تحت يده والاّ دخل تحت الامر التّارك والنّاهى الفاعل، وامّا بالنّسبة الى عموم الخلق فليس ذلك واجباً على كلّ احدٍ بل على من تطهّر اوّلاً من المعاصى والرّذائل، وحصّل القوّة القّدسيّة الرّادعة عن ارتكاب المعاصى، وحصّل العلم بمعروف كلّ احد من النّاس ومنكره فانّ المعروف والمنكر يختلفان بحسب اختلاف الاشخاص؛

السابقالتالي
2 3