الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ } الّذى هو النّتيجة، والمقصود ما أنزل على محمّدٍ (ص) من الكتاب والشّريعة النّاسخة لكلّ كتابٍ وشريعةٍ والايمان به مستلزم للايمان بنبوّة محمّد (ص) وولاية علىّ (ع) او المراد ممّا أنزل ابتداءً نبوّة محمّد (ص) وولاية علىٍّ (ع) { مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ } حال فى محلّ التّعليل للامر بالايمان به فانّ تصديقه لما معهم مصدّقٌ للايمان به والمراد ممّا معهم التّوراة والانجيل والاحكام الفرعيّة الشّرعيّة والعقائد الاصليّة الدّينيّة ومنها نبوّة محمّد (ص) وخلافة وصيّه والمقصود اوّلاً وبالذّات ممّا معهم نبوّة محمّد (ص) وخلافة علىّ (ع) فانّهما ثابتتان فى كتبهم وفى صدورهم بحيث لا تنفكّان عن خاطرهم { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } تنزّل فى الكلام على طريقة المناصحين اى يجب عليكم الايمان به لكونه مصدّقاً لما معكم فان لم تؤمنوا به فاصبروا { وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } فانّه اقبح لكم من كلّ قبيح لانّكم عالمون بصدقه من قبل ومحجوجون بأنّ برهان صدقه وهو تصديق ما عندكم معه والمراد أوّل كافرٍ به حين ظهور دعوته او بالاضافة الى اصحاب الملل فلا يرد انّ هذا الكلام صدر منه مع يهود المدينة وقد كفر قبلهم كثير من مشركى مكّة، و { أَوَّلَ كَافِرٍ } خبر لا تكونوا وحمل المفرد على الجمع بتقدير فريق او صنف، او لا يكن كلّ واحد منكم اوّل كافر به، روى انّ يهود المدينة جحدوا نبوّة محمّدٍ (ص) وخانوه وقالوا: نحن نعلم أنّ محمّدا (ص) نبىّ وانّ عليّا (ع) وصيّه ولكن لست انت ذلك ولا هذا هو ولكن يأتيان بعد وقتنا هذا بخمسمائة سنين.

تحقيق وتفصيل لاشتراء الثّمن القليل بالآيات

{ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } اى لا تستبدلوا فانّ الاشتراء فى أمثال المقام يستعمل بمعنى مطلق الاستبدال والمراد بالثّمن القليل الاعراض الدّنيويّة لانّها وان كانت كثيرة فى أنفسها قليلةٌ فى جنب الآخرة، ونزول الآية فى اشراف يهود مدينة وتحريفهم لآيات التّوراة لاستبقاء مأكلةٍ كانت لهم على اليهود، وكراهة بطلانها بسبب الاقرار بالنّبىّ (ص) لا ينافى باعتبار التّعريض بأمّة محمّدٍ (ص) عموم الآية وتعميم الآيات المذكورة فيها؛ فانّ الآيات وكذا سائر كلمات الكتاب لا اختصاص لها بمرتبةٍ خاصّةٍ بل لها فى كلّ مرتبةٍ ومقام مصداق مناسب لتلك المرتبة؛ فالآيات التّدوينيّة نقوش الكتاب الالٰهىّ والالفاظ المدلول بها عليها فانّها آيات تدوينيّة باعتبار انّ دوالّها تدوينيّة، وهكذا نقوش الاخبار الصّادرة عن المعصومين (ع) والصّادقين والالفاظ الّتى هى مدلولاتها، وآيات الآفاق الموجودات الدّالّة بغرائب خلقتها على حكمة صانعها سواء كانت مادّيّة ارضيّة او سماويّة او غير مادّيّة من البرزخ والمثال والنّفوس والعقول، وآيات الانفس شؤن النّفوس ووارداتها ومشاهداتها ومكمون الاشياء فيها، وظهورها بها، وغرائب ذلك فى اطوارها، والاعمال الّتى تظهر منها على الاعضاء فانّها آيات دالّة على ضمائر النّفوس فان كانت بصورة الاعمال الالهيّة الدّالّة على انّ ضمائر النّفوس اوامر ونواهٍ الهيّة كانت آيات الله ايضاً، واشتراء الثّمن القليل بالآيات عبارة عن الاعراض عنها من جهة كونها آيات الله سواء أعرض عنها مطلقاً او توجّه اليها بجهة اخرى فالمصلّى اذا كان الدّاعى له الى الصّلاة الامر الالهىّ من غير التفاتٍ منه الى انّ فيها قرباً او رضىً من الله او نجاة من النّار او دخولاً فى الجنّة ومن غير طلب منه لذلك يعنى من غير التفاتٍ الى نفسه وصدور العمل منها كان حافظاً لآية الله غير مشترٍ بها ثمناً قليلاً، واذا كان الدّاعى له طلب القرب من الله او طلب رضاه او النّجاة من النّار او دخول الجنّة يعنى اذا التفت الى عمله وطلب له اجراً كان مستبدلاً بآية الله ثمناً قليلاً، واذا كان الدّاعى له حفظ صحّته او صحّة من عليه اهتمام امره او رفع مرض او حفظ مال او تكثير مال او حفظ عرضٍ او بقاء منصبٍ او الوصول الى منصبٍ او الظّهور على عدوٍّ او غير ذلك من الاغراض المباحة كان مستبدلاً بها ثمناً اقلّ من الاوّل، واذا كان الدّاعى غرضاً من الاغراض الغير المباحة مثل الرّياء والسّمعة والصّيت ومدح النّاس والتّحبّب اليهم وحفظ المناصب الغير المباحة مثل القضاء والامامة والحكومات الغير الشّرعيّة وجلب المال الغير المباح وادرار السّلاطين والحكّام وغير ذلك من الاغراض الغير المباحة كان مستبدلاً بها عذاباً دائماً وهكذا سائر الاعمال الشّرعيّة بل الاعمال المباحة فانّها الصّادرة عن النّفس العاقلة، والعاقل فعله ينبغى ان يكون صادراً من مبدء عقلانىٍّ وراجعاً الى ذلك فاذا لم يكن فعل العاقل قرين غرض عقلانىٍّ كان مستبدلاً بآية الله اى آية العقل فانّ العقل آية الله وآية الآية آية ثمناً قليلاً، وما ورد فى الآيات والاخبار من المدح على ابتغاء وجه الله او طلب مرضاته او غير ذلك فالمراد الطّلب من غير جعل الطّلب غرضاً ومن غير استشعار بذلك الطّلب وقلّما تنفكّ ارباب العمائم واصحاب المناصب والاتباع السّواقط من اكثر هذه الاغراض المباحة، وامّا من ابتلى منهم بالأغراض الغير المباحة فليتعوّذ من شرّه فانّه أضرّ على دين العباد من ابليس وجنوده، وما تداول بينهم من الاجرة على بعض العبادات كالاذان وصلاة ليلة الدّفن وتلاوة القرآن وتعليم القرآن، وما تداول بين ارباب المنابر من أخذ الاجرة على ذكرهم المصائب والمراثى ومجالس وعظهم فقد صرّحوا بحرمته، وهذا غير الأغراض الكاسدة الّتى ابتلاهم الله بها، وامّا الجعالة على فعل الصّلاة والصّوم المفروضين الفائتين يقيناً او ظنّاً او احتمالاً او الغير الصّحيحين يقيناً او ظنّاً او احتمالاً بنيابة الاموات فقد اشتهر العمل به ونيابة الحجّ من حىٍّ عاجزٍ او قادرٍ او ميّتٍ كثر الاخبار بها وأجمعوا على صحّتها وعملوا بها لكن لم يبيّنوا كيف ينبغى ان يكون القصد فيها حتّى لا يكون المأخوذ اجرة على العبادة واشتراءً بآيات الله ثمناً قليلاً، والقاضى اذا اجازه الامام او نائبه للقضاء عموماً او خصوصاً وجلس فى مجلس القضاء بأمر الامام الّذى هو أمر الله ولم يكن الدّاعى له الى القضاء سوى الامر كان حافظاً لآية الله فانّ القضاء آية الامر به، والامر آية الآمر، والآمر آية الله، وان كان الدّاعى له التّقرّب الى الله او الى الامام او طلب رضا كلٍّ او الاصلاح بين النّاس او رفع الخصومات او احقاق الحقوق او رفع الظّلم وحفظ المظلوم او اجراء احكام الله وحدوده او امثال ذلك من الاغراض الصّحيحة كان مستبدلاً بآية الله ثمناً قليلاً، وان كان الدّاعى له التّرأس على العباد والتّبسّط فى البلاد او التّحبّب الى النّاس او تخويف الخلق او الشّرف والحسب او الخدم والحشم او الاعراض الفانية الدّنيويّة او غير ذلك من الاغراض الكاسدة فهو مستبدل بآية الله عذاباً دائماً اليماً، هذا اذا كان القاضى منصوباً من الامام لذلك او للاعمّ من ذلك، وان كان غير مأذونٍ فى ذلك فليتدبّر فى قوله (ع): هذا مجلس لا يجلس فيه الاّ نبىّ او وصىّ او شقىّ، وهكذا حال أصحاب الفتيا فانّهم فى فتياهم ان لم يكونوا مأذونين او لم يكن الامر داعياً لهم صدق عليهم قوله تعالى:

السابقالتالي
2