الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً } ووجه التّأكيد والتّكرير التّغليظ والتّطويل المطلوب فى مقام السّخط والتمهيد للوعد والوعيد الآٰتى وجميعاً حالٌ فى معنى التّأكيد كأنّه قال أجمعين ولا دلالة له على الاجتماع فى زمان الحكم بل له الدّلالة على عموم الحكم بجملة افراد المحكوم عليه فقط بخلاف مجتمعين فانّه يدلّ على الاتّفاق فى زمان الحكم { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى } امّا ان الشّرطيّة وما الزّائدة لتأكيد الشّرط ولذا يؤتى بعده بنون التّأكيد، واتيان الهدى من الله امّا على لسان الرّسول الظّاهرىّ او الباطنىّ هذا على ظاهر المفهوم المصدرىّ من الهدى والاّ فالهدى حقيقة جوهريّة من شؤن النّفس الانسانيّة ولسان الرّسول الظّاهرىّ او الباطنىّ معدّ للنّفس، والمفيض فى الحقيقة هو الله، والمفاض حقيقة من الحقائق، والمفاض عليه هو النّفس الانسانيّة، وعلى هذا فالاتيان باداة الشّكّ فى محلّه لانّ تلك الحقيقة لا تحصل لكلّ فردٍ من الافراد، وكثيراً ما تحصل لشخصٍ ثمّ تسلب عنه ولذا أتى بالجواب جملة شرطيّة او كالشّرطيّة فقال { فَمَن تَبِعَ ُهُدَايَ } لفظة من شرطيّة او موصولة متضمّنة لمعنى الشّرط وتكرار الهدى للتّمكين فى القلوب وللتّرغيب فى الاتّباع بتصوير مفهومه الصّريح؛ ولتعليل الحكم بذلك، ويجوز ان يراد بالهدى الرّسول او خليفته فانّه لكونه متشئً بالهدى فكأنه لا حقيقة له سوى الهدى، او يراد معنىً أعمّ من الثّلاثة اى { فامّا يأتينّكم منّى } سبب هدايةٍ او حقيقة هداية أو هادٍ؛ { فَمَن تَبِعَ ُهُدَايَ } { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.

تحقيق بيان اختلاف الفقرتين من قوله { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.

الخوف حالة حاصلة من الاستشعار بورود مكروه وتوقّع وروده ويستلزمها انقباض القلب واجتماع الرّوح الحيوانيّة والحرارة الغريزيّة فى الباطن والقلب واحتراق دم القلب وتصاعد بخارٍ دخانىٍّ الى الدّماغ واحتراق الدّماغ وتولّد السّوداء والماليخوليا ان طالت مدّتها، ولمّا كان الخوف وارداً من الخوف منه على الخائف كأنّ المخوف منه فاعله والمخالف واقع عليه الخوف أخبر عن الجارّ والمجرور بعلى مع انّ القياس يقتضى ان يخبر عن المصادر بالجارّ والمجرور باللاّم او بمن اذا وقع الفاعل عقيب حرف الجرّ مخبراً به، وايضاً الخوف يقتضى الاستيلاء على النّفس بحيث لا تتمالك ويناسبه لفظ على، ويحتمل ان يكون المعنى لا خوف لغيرهم عليهم يعنى لا ينبغى ان يخاف عليهم وحينئذٍ فلا اشكال. والحزن حالة حاصلة من استشعار فوات محبوب فى الحال او فى الاستقبال ويستلزمه ايضاً انقباض القلب واجتماع الرّوح الحيوانيّة والحرارة الغريزيّة فى الباطن والقلب وسائر لوازم ذلك وقلّما ينفكّان وهكذا الغمّ والهّم فكان الحزن ينبعث من باطن الحزين من حيث انّه مستشعرٌ لفوات المحبوب وليس لورود امر من خارج وللاشعار بهذه اللّطيفة جاء بالقرينتين مختلفتين فانّ حقّ العبارة ان يقول فلا خوف عليهم ولا حزنٌ او فلا هم يخافون ولا هم يحزنون، ويستعمل الحزن من باب علم لازماً ومن باب قتل متعدّياً.

السابقالتالي
2 3