الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

تحقيق مادّة الملك واقسام الملائكة

واذكر { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ } حتّى تعلم انّ الكلّ خلق للانسان او ذكّرهم بذلك حتّى يعلموا فانّ فى قصّة خلقة آدم وسجود الملائكة له دليلاً على أنّ خلقة الكلّ لاجله { لِلْمَلاَئِكَةِ } جمع الملك باعتبار اصله فانّ اصله مألك من الالوكة بمعنى الرّسالة فقلب فصار معفلٌ بتقديم العين ثمّ حذف الهمزة فصار معل، وقيل: اصله مفعل من لاك يلوك بمعنى ارسل فقلب الواو الفاً بعد نقل حركته ثمّ حذف وقيل اصله فعال من ملك يملك فحذف الالف، والملك على أنواع منها ملائكة ارضيّون متعلّقون بالمادّيات سواء كانوا متعلّقين بالاجرام السّماويّة او بالاجرام الارضيّة؛ ولهم ترقّيات وتنزّلات والملائكة السّجّد والرّكّع منهم، وما ورد من سقوط ملك عن مقامه وتنزّله عن مرتبته وشفاعة شفيعٍ له هو فى هذا النّوع لا فى سائر الانواع فانّ الملائكة الغير المتعلّقة بالمادّيات كلّ واحد منهم له مقامٌ معلوم.

وليعلم انّ العوالم بوجهٍ ثلاثة؛ اوّلها عالم الجنّة والشّياطين وفيه الجحيم ونيرانها وهو محلّ الاشقياء والمعذّبين من بنى آدم وهو تحت عالم المادّيات وان كان ذلك العالم مجرّداً عن المادّة، وثانيها عالم المادّيات من السّماوات والسّماويّات والارض والارضيّات وهذا العالم أضعف العوالم، وثالثها عالم المجرّدات العلويّة وهو عالم الملائكة بمراتبها من السّجّد والرّكّع وذوى الاجنحة مثنى وثلاث ورباع، والمدبّرات أمراً، والصّافات صفّاً، والقيام المهيمنين الّذين لا ينظرون، ولاهل عالم الجنّة من أنواع الجنّة والشّياطين قدرة باقدار الله على أنواع الخوارق والتصرّف فى عالم المادّيات مثل اهل عالم الملائكة من دون فرقٍ، والجنّة والشّياطين على نوعين، نوع منهم فى غاية البعد والخباثة غير قابلين للهداية، ونوع منهم لهم قرب من عالم المادّيات، وبسبب هذا القرب كانوا مستعدّين للهداية والايمان ولهم ترقّيات وتنزّلات، وكذلك الملائكة على نوعين؛ نوع منهم فى غاية البعد عن المادّيات وهم المجرّدات عن المادّيات وعن التعلّق بها والتّدبير لها وهم العقول والارواح، ونوع منهم لهم التعلّق والتّدبير للمادّيات وهم الملائكة الموكّلة على الارضيّات من الاجرام العلويّة والسّفليّة والمأمور بسجدة آدم من حيث فعليّة آدميّته هو هذا النّوع كما فى الاخبار أنّ المأمورين بسجدة آدم هم ملائكة الارض واعتراض الملائكة المستفاد من الآية والأخبار أيضاً من هذا النّوع ولمجانسة هذا القسم للجنّة كان ابليس مشابهاً لهم ومشتبهاً عليهم وعابداً فيهم بل نقل انّه كان اماماً ومعلّماً وحاكماً لهم ولقومه، وكانوا محاربين للابالسة والجنّة طاردين لهم عن وجه الارض سارقين للشّيطان رافعين له الى سمائهم، والمأمور بسجدة آدم من حيث مقام الآدميّة وان كان هذا النّوع من الملائكة لكنّ المأمور بسجدته من حيث سائر مقاماته بل من حيث مقام علويّته المكونة جميع أنواع الملائكة بل جميع الموجودات الامكانيّة لأنّ جميع الموجودات واقعة تحت تصرّف ارباب أنواعها ومسخّرة لها، وجميع أرباب الانواع واقعة تحت تصرّف ربّ النوع الانسانىّ ومسخّرة له، وقد أشير فى الاخبار الى ذلك وانّ آدم صار مسجوداً لكون علىّ (ع) والائمّة فى صلبه.

السابقالتالي
2 3 4 5