الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً } بشيءٍ من تكاليف المعاد والمعاش والجملة جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: هل يخرجون من عهدة التّكليف بعد ما قالوا سمعنا وأطعنا؟ - فقال: لا يكلّف الله نفساً { إِلاَّ وُسْعَهَا } حتّى لا يخرجوا من عهدته ويجوز ان تكون الجملة حالاً مفيدة لهذا المعنى والمراد بالوسع ما يسعه قدرتهم وتفضل هى عنه { لَهَا مَا كَسَبَتْ } حال او جواب لسؤالٍ مقدّرٍ { وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ } يعنى انّ نفع حسناتها عائدةٌ اليها لا الى غيرها وكذا ضرّ سيّئاتها، وكسب المال بمعنى اصابه من غير اعتبار تعمّل فى تحصيله بخلاف اكتسب فانّ المعتبر فيه التعمّل والاجتهاد واستعمال الكسب فى الطّاعات والمعاصى للاشارة الى انّ الحركات الصّادرة من الانسان بوفاق الامر الالهىّ وبخلافه مورثة لحصول شؤن نورانيّة او ظلمانيّة للنّفس هى كالاموال الحاصلة بالحركات المعاشيّة واستعمال الكسب فى جانب الخير للاشعار بانّ الانسان لمّا كانت فطرته فطرة الخير كان كلّما يحصل له من طريق الخير يبقى للنّفس والنّفس اذا خليّت وطبعها لا تتعمّل فى كسب الخير بخلاف الشّرّ فانّه اذا لم يتعمّل الانسان فى تحصيله لم يبق اثره لنفسه وانّ النّفس اذا خليّت وطبعها لا تحصل الشّرّ الاّ بالتعمّل { رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا } جزء مقول المؤمنين وقوله تعالى: { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ }؛ كانت معترضة { إِن نَّسِينَآ } شيئاً من المأمور بها { أَوْ أَخْطَأْنَا } فى شيءٍ من المنهيّات، والخطاء كالنّسيان يكون فى الفعل الّذى لم يكن الفاعل على عزيمة فيه { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً } الاصر بالكسر العهد والذنب والثقل وقد يضمّ ويفتح فى الكلّ والمراد به هنا الثّقل او الحمل الثّقيل وحمل الاصر من الله عبارة عن التّكاليف الشاقّة الّتى كانت فى الامم السّالفة كما سيأتى وعن الواردات الّى كان تحمّلها شاقّاً مثل الواردات الّتى كانت فى بنى اسرائيل على ما روى انّ القبط كانوا يقيّدونهم بالاغلال ثمّ يكلّفونهم نقل الطّين واللّبن على السلالم، وعن الواردات النّفسانيّة الّتى كان تحمّلها شاقّاً قبل الاسلام والايمان من مهيّجات الغضب والشّهوة ومن المصائب الواردة { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا } من الامم السّالفة والجنود النّفسانيّة { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من التّكاليف والبلايا الّتى هى فوق الطّاقة، ووجه استعمال التّحميل الدّالّ على المبالغة هاهنا والحمل الدّالّ على مطلق الحمل هناك يستفاد من مفعولهما { وَٱعْفُ عَنَّا } عفى عنه ذنبه ترك العقوبة عليه او طهّر القلب من الحقد عليه، وقد يستعمل العفو فى المحو والامحاء { وَٱغْفِرْ لَنَا } واستر ذنوبنا عن خلقك او عن انفسنا لانتفاعنا { وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا } تعليل واستعطاف { فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } من الشّياطين الانسيّة والجنيّة فى خارج وجودنا او داخله فانّه حقيق على المولى ان ينصر مواليه على اعدائه.

السابقالتالي
2 3