الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا } منقطعة عن السّابق لابداء حكمٍ آخر او جواب سؤالٍ ناشئٍ عن سابقه كأنّه قيل: قد علم حال المنفق فما حال آخذ مال الغير؟ - او فما حال آخذ الرّبوا؟ - فقال: الّذين يأكلون الرّبوا والأكل هاهنا وفى كثيرٍ من الآيات بمعنى الاخذ والتّصرّف سواء كان التّصرّف بالأكل اللّغوىّ ام لا، وذكر الأكل لأنّه عمدة منافع المال وعمدة مقاصدهم منه، والربا بالكسر الزّيادة على رأس المال ورسم ان يكتب بالواو والالف اشعاراً بمادّته وتشبيهاً لواوه بواو الجمع وسيجيء بيانه ووجه حرمته { لاَ يَقُومُونَ } عن قبورهم او عن قعودٍ او بامور معاشهم { إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ } تخبّط الشّيطان فلاناً مسّه بأذىً او أفسده او أفسد عقله { مِنَ ٱلْمَسِّ } من اجل مسيسه ايّاه وقد يكون المسّ بمعنى الجنون لكنّ المناسب هنا ما ذكرنا.

بيان الخبط من مسّ الشّيطان

اعلم انّ الانسان واقع بين عالم الجنّة والشّياطين وعالم الملائكة وقابل لتصرّف الارواح الخبيثة والارواح الطيّبة فيه، وقوله (ع): لكلّ انسانٍ شيطان يغويه وملكٌ يزجره؛ يشير اليه فاذا بلغ مبلغ الرّجال وحصل له العقل الّذى هو مناط التّكليف والتّدبير وقع فى تصرّف الملك والشّيطان، واسباب غلبة كلٍّ منهما داخلة وخارجة كثيرةٌ مثل اختلاف الاستعدادات بالّذات وتخيّل المتخيّلات الممدّة لكلّ ومدد مركب النّفس بالاغذية المباحة او المشتبهة والاغذية المأكولة على تذكّر وجمعيّة البال، او على غفلةٍ وتفرقة، ومثل ادراك مدركٍ موافقٍ لكلّ بالمدارك الظّاهرة، والمجالسة مع الاخيار والاشرار والاشتغال بأعمال الابرار والفجّار وغير ذلك وتصرّف الشّيطان فى اغلب النّاس بالغلبة عليهم بحيث يصدر افعالهم من الشّيطان او بمشاركته من غير استشعارٍ لهم بذلك مع بقاء العقل الّذى هو مناط تدبيرهم وكونه خادماً للشّيطان، وقد يغلب على بعض بحيث يذهب العقل منه فان كان فى قلبه ومداركه قويّاً يبقى الشّعور له والاّ يغشى عليه، وقد يظهر صورة الجنّ عليه فى حال ذهاب العقل شاعراً او مغشيّاً عليه وقد لا يظهر او لا يستشعر، وقد يخبر بالامور الغائبة ابتداءً وقد يستنطق عن المغيبات ويستخبر فى خبر شاعراً او غير شاعرٍ، وقد يقع المناسبة بينه وبين الارواح الخبيثة بحيث يشاهد عالمها ويشاهد صور عالم الطّبع فيه من دون زوال عقله فيخبر بالمغيبات والآتيات، او يظهر عليه بعض من الشّياطين والجنّة فيخبره بخبر السّماء والارض فيغترّ بأنّه من عالم الارواح الطيّبة وقد زعم المغترّون بهذا العالم وأهله انّ عالم الارواح واحد وانّ طريق الوصول اليه متعدّد وانّ اقرب الطّرق للوصول اليه طريق الرّياضات الغير الشّرعيّة وارتكاب منافيات الشّرائع الالهيّة من سفك الدّماء المحرّمة وخصوصاً دم الانسان وشربها والزّنا لا سيّما مع المحارم وانهتاك حرمة الكتب السّماويّة، وما اشتهر منهم من تعليق القرآن وسائر الكتب السّماويّة فى المزابل صحيح، وقد يظهر أنواع الخوارق والاخبار بالمغيبات والآتيات منهم، وعن الباقر (ع) فى بيان ما ذكر انّه ليس من يومٍ ولا ليلةٍ الاّ وجميع الجنّ والشّياطين تزور ائمّة الضّلالة ويزور امام الهدى عددهم من الملائكة حتّى اذا اتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة الى ولىّ الامر خلق الله او قال قيّض الله عزّ وجلّ من الشّياطين بعددهم ثمّ زاروا ولىّ الضّلالة فأتوه بالافك والكذب حتّى يصبح فيقول: رأيت كذا وكذا فلو سأل ولىّ الامر عن ذلك لقال رأيت شيطاناً اخبرك بكذا وكذا حتّى يفسّر له تفسيراً ويعلمه الضّلالة الّتى هو عليها، وهؤلاء لا يدخلون فى طريقهم من ارادوا ادخاله الاّ بعد أخذ الميثاق عنه بما هو مقرّر عندهم، وهكذا الحال فى انواع تصرّف الملائكة وغلبتهم، وقد قال المولوىّ قدّس سرّه فى بيان غلبة الشّياطين والملائكة:

السابقالتالي
2 3 4