الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } اى اسلموا بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظّاهرة بعد ما مدح الانفاق وذمّ المنّ والاذى عليه نادى المؤمنين خاصّة تلطّفاً بهم واعتناءً بشأنهم ثمّ نهاهم عن الانفاق المذموم كأنّ غيرهم ليسوا مكلّفين حتّى يتوجّه النّهى اليهم فقال: { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } اعلم انّ الانفاق اذا كان الدّاعى اليه صدق المنفق فى امتثال الامر الالهىّ من دون شراكة أغراض النّفس كان صدقة، وابطالها من حيث انّها صدقة بان لم يكن هذا الصّدق فى الانفاق او كان لكن يذهب به بعده فقوله: { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم } معناه: لا تذهبوا بصدقكم فى انفاقكم، والاتيان بعنوان الصّدقات مقام الانفاق للتّنبيه على انّ المؤمن ينبغى ان يكون انفاقه قريناً للصّدق لكن قد يطرؤ عليه ما يذهب بصدقه { كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } مفعول له او حال. اعلم انّ العبادات اذا كان الدّاعى اليها قرب العابد من الله بمعنى انّ القرب المستلزم لشدّة الحبّ المستلزم لخدمة المحبوب صار سبباً للعبادة والقيام بخدمة المعبود وامتثال أمر المحبوب كانت عبادة، واذا كان الدّاعى انتفاع النّفس من الله ولو بقرب الله لم تكن عبادة حقيقة، واذا كان الدّاعى انتفاع النّفس من الغير لم تكن عبادة لا حقيقة ولا صورة بل كانت محرّمة ووبالاً ولذلك قالوا: انّ المراءاة فى الصّلاة مبطلةٌ لها بل المرائى اشرّ من تارك الصّلاة بمراتب فانّه مستهزء بالله ومنافق ومشرك او كافر ويحسب انّه محسن ويعجب بنفسه بخلاف التّارك فانّه متوانٍ فى أمره تعالى ويعلم انّه تارك؛ وكثيراً ما يتنبّه ويلوم نفسه { وَلاَ يُؤْمِنُ } لا يذعن { بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } حين المراءاة او مطلقاً { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } اعلم انّ التشبيهات التمثيليّة المركّبة لا يلزم ان يكون جميع اجزاء المشبّه والمشبّه به مذكورةً ولا يلزم التّرتيب بين اجازئهما فى الذّكر ولا ذكر تمام اجزائهما فقوله فمثله يحتمل ان يكون المراد به مثل المنفق المرائى فى صلابة قلبه وقساوته وعدم انبات النّبات فيه واستتار قلبه تحت صورة الانفاق الّذى هو من وجوه الخير الّذى يدلّ على صلاح قلبه وصلاحيته لبذر الآخرة وانباته ونموّه كمثل صفوان { عَلَيْهِ تُرَابٌ } صالح للزّرع ونموّه وابطال المرائاة الصلاحية المتراياة من ظاهر الانفاق كابطال المطر العظيم القطر الصلاحية المتراياة من ظاهر تراب الصّفوان وان يكون المراد به مثل المال المنفق فى ذهابه عن المنفق وعدم الانتفاع به بشيءٍ من وجوه الانتفاع لابطال الرّياء له مع انّه بحسب صورة الانفاق يترائى انّ المنفق ينتفع به كمثل بذرٍ وقع على صفوانٍ عليه تراب { فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً } عن التّراب والبذر جميعاً { لاَّ يَقْدِرُونَ } حال عن فاعل ينفق او عن الضّمير المضاف اليه للمثل فانّ المثل يصحّ حذفه وجمع الضّمير مع افراد الضّمير الّذى هو ذو الحال باعتبار لفظ، الّذى، ومعناه فانّ معناه الجنس العامّ الشامل لكلّ فرد، او جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: ما حال المنفق المرائى فى انفاقه؟ - او لم قلت كمثل صفوان؟ - او كأنّه قيل: ما حال المبطل انفاقه بالمنّ والمرائى فى انفاقه؟ - فقال: لا يقدرون { عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ } فلا اشكال حينئذٍ فى جمع الضّمير وهذا يدلّ على انّ المراد بالانفاق مطلق الاعمال فانّ الكسب اعمّ ممّا يكسب بالانفاق { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } عطف على لا يقدرون والاهتمام بالله منع من مراعاة التّناسب بين المتعاطفين او حال والمعنى انّهم بأنفسهم لا يقدرون ولا معين لهم سوى الله والله لا يهديهم ووضع الظّاهر موضع المضمر للتصريح بانّهم كافرون ولتعليل الحكم.