الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ أَلَمْ تَرَ } الم ينته رؤيتك { إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ } التّعدية بالى للتّضمين المذكور المشعر ببعد المفعول عن الرّؤية والادراك والجملة جواب لسؤالٍ مقدّرٍ كأنّه قيل: ما الشّاهد على الاخراجين؟ - فقال تعالى اخراج نمرود حين المحاجّة فى الله من نور التّسليم لربوبيّة الله الى ظلمات انكار الرّبّ والمغالطة فى المحاجّة والتّحيّر حين المغلوبيّة واخراج النّبىّ الّذى مرّ على القرية من ظلمة الشّكّ والحيرة وحجاب العلم الى نور الشّهود والعيان لكنّه أخرجه فى صورة الاستفهام التعجيبىّ تفضّلاً فى الجواب بالمبالغة فى استغراب القضيّتين، ونمرود حاجّ ابراهيم (ع) قبل القائه فى النّار كما قيل او بعد القائه وخروجه سالماً من النّار كما نسب الى الصّادق (ع) { أَنْ آتَاهُ } اى ابراهيم { ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ } ملك النّبوّة والطّاعة او نمرود الملك الصورىّ وهو بتقدير لام التّعليل { إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ } بدلٌ من الّذى حاجّ نحو بدل الاشتمال، او ظرف لحاجّ والمقصود اذ قال ابراهيم بعد ما قال نمرود له من ربّك يا ابراهيم؟ - { رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ } اتى بوصف الاحياء الّذى يعجز عنه غير الله وذكر الاماتة ليس للتّعجيز بل لمناسبة التضادّ او هى ايضاً للتعجيز فانّ الاماتة ازهاق الرّوح من دون فعلٍ من المميت بالنّسبة الى بدن الميّت او روحه، وهذا خاصّ بالله فان كان الازهاق بسبب فعل فاعلٍ كان قتلاً لا اماتة { قَالَ } مثل هذا يكون جواباً لسؤالٍ مقدّرٍ { أَنَا أُحْيِـي } بان لا اقتل من وجب القتل عليه وانجيه من الحبس { وَأُمِيتُ } بقتل من اردت قتله، وهذا مغلطة منه فى الجواب تمويهاً على العوامّ لانّ ابقاء الحياة الحاصلة من الله ليس احياءً على انّه ليس ابقاءً للحياة بل هو ترك لفعلٍ يؤدّى الى ازهاق الرّوح؛ وهكذا الحال فى الاماتة، ولمّا كان الزامه ببيان مغلطته فى الجواب لم يكن يظهر على العوامّ عدل عن الالزام ببيان المغلطة الى التّعجيز بوصف آخر، روى عن الصّادق (ع): انّ ابراهيم (ع) قال له فأحى من قتلته ان كنت صادقاً و { قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ } لمّا ادّعى الرّبوبيّة لنفسه بالاشارة الى قياسٍ مستفادٍ من ادّعاء حصر الاحياء والاماتة فى نفسه بتقديم المسند اليه فى قوله { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ } تصويره هكذا ربّك الّذى يحيى ويميت وكلّ محيىٍ ومميتٍ اَنَا فَانَا ربّك، وموّه ذلك على العوامّ عدل عن اسم الرّبّ وقال: { فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي }؛ باسم الجلالة حتّى لا يتأتّى له التّمويه بوصف المسند اليه ولا بوصف المسند { فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ } البهت كالنّصر الانقطاع والتحيّر وفعلهما كعلم ونصر وكرم وعنى والوصف مبهوت لا باهت وقرء مبنيّاً للفاعل ومبنيّاً للمفعول والمعنى فانقطع حجّته او تحيّر { ٱلَّذِي كَفَرَ } اى نمرود { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي } جملة حاليّة والمعنى فانقطع حجّته والحال انّه لم يكن له معينٌ يعينه فانّ المعين ليس الاّ الله والله لا يهدى { ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } على أنفسهم ثمّ على الخلق ثمّ على خلفاء الله.