الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }

{ وَلاَ تَنْكِحُواْ ٱلْمُشْرِكَاتِ } عطف باعتبار المعنى فانّ قوله تعالى: { قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ } وقوله تعالى: { وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ } معناه: أصلحوا لهم وخالطوهم نحو مخالطة الاخوة ووجه المناسبة أنّهم كانوا يتكفّلون اليتيمة ويخالطونها فى بيوتهم للنّكاح ان كانت ذات مالٍ، وان لم تكن ذات مالٍ أعرضوا عنها، وربّما كانت تجتمع عند الرّجل عدّة نساءٍ من اليتامى لم يكن يقوم بحقوقهنّ فقال تعالى بطريق العموم: ولا تنكحوا المشركات من اليتامى وغيرهنّ { حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ } ولا منافاة بين هذه الآية وبين آية احلال الكتابيّات حتّى يكون احداهما ناسخة للاخرى { وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ } بجمالها او مالها او حسبها او نسبها { وَلاَ تُنْكِحُواْ ٱلْمُشِرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـٰئِكَ } المشركون والمشركات { يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ } اى الى الشّرك المؤدّى الى النّار فحقّهم عدم المخالطة والمصاهرة { وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلْجَنَّةِ وَٱلْمَغْفِرَةِ } حقّ العبارة ان يقول: والمؤمنون والمؤمنات يدعون الى الجنّة لكنّه عدل عنه اشعاراً بانّ دعاء المؤمنين دعاء الله.

تحقيق تكيّف النّفوس من مجاورها

اعلم انّ نفس الانسان قبل ان تستكمل وتتمكّن فى شيءٍ من السّعادة والشّقاوة قابلة محضة تتأثّر من كلّ ما تجاوره كالمرآة الصّافية الّتى ينطبع فيها كلّ ما يواجهها والمسلم والمسلمة والمؤمن والمؤمنة بواسطة الاتّصال بالنّبىّ (ص) والولىّ (ع) بالبيعة العامّة او الخاصّة ينطبع فى نفس كلّ منهم فعليّة ما من النّبىّ (ص) او الولىّ (ع) وكلّ من يجاوره يتأثّر ممّا انطبع فيه والمشرك والمشركة سواء كان الشّرك بالله او بالرّسالة او بالولاية ينطبع من الشّيطان فعليّة ما فى نفس كلّ منهما وكلّ من يجاوره يتأثّر ممّا انطبع فيه وينطبع فيه شيءٌ ما منه، ومنه يعلم وجه خيريّة العبد المسلم والامة المسلمة من المشرك والمشركة فانّهما مظهران للنّبىّ (ص) وهما مظهران للشّيطان، ويعلم ايضاً وجه العدول الى قوله تعالى: { الله يدعو الى الجنّة } فانّ فعليّة النّبىّ (ص) بما هو نبىٌّ فعليّة من الله ويظهر وجه نسبة الدّعوة الى المشركين بطريق العموم وتأدية الفعل بالمضارع الدّالّ على الاستمرار مع انّ اكثر المشركين لا يدعون احداً ومن يدعو لا يدعو مستمرّاً، وهكذا الحال فى جانب المسلمين لانّ هذا التأثّر والانطباع لا يكون باللّسان والاستماع بل قد يكون اللّسان والسّماع معدّين له { بِإِذْنِهِ } اى باباحته وترخيصه وهو متعلّق بيدعو وبه وبيدعون على سبيل التّنازع والمقصود انّ دعاء المشركين والمسلمين ليس بدون اذن الله تعالى وترخيصه لانّ جعله تعالى النّفوس بحيث تنطبع فيها فعليّة مجاورها وفعليّة الشّيء بحيث تؤثّر فيما تجاوره انّما هو بجعله تعالى وجعله اذنه التّكوينىّ { وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ } عطف على يدعو يعنى انّ هذه الدّعوة التّكوينيّة من آيات حكمته وقدرته تعالى وتأثّر المجاور وظهور تلك الدّعوة فيه بيان للآيات، او المراد انّه يبيّن احكامه الشرعيّة بلسان أنبيائه (ص) وأوصيائهم (ع) { لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } بدقائق الحكم المودعة فى الآيات بسبب ظهور آية الشّرك من المشرك والمشركة وآية الاسلام من المسلم والمسلمة فيهم او بسماع الآيات والاحكام من الانبياء عليهم السّلام.