الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذٰلِكَ يُبيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ } * { فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ ٱلْمُفْسِدَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } استئناف لابداء حكم آخر من احكام الرّسالة { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } وقرئ كثير بالثاء المثلّثة { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } لمّا اتى بالاثم مفرداً وبالمنافع جمعاً توهّم انّ نفعهما غالب على اثمهما فرفع ذلك التوهّم بقوله تعالى: { وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا }.

تحقيق مراتب كمال الانسان

اعلم انّ الانسان قبل هبوط آدم (ع) فى العالم الصّغير وبعث الرّسول الباطنىّ كافر محض لا يعرف مبدأً ولا معاداً وبعد بعث الرّسول الباطنىّ يظهر له اقرار فطرىّ بأنّ له مبدأً مسخّراً له لكنّه امّا لا يستشعر بهذا الاقرار اصلاً ويحتاج الى منبّهٍ خارجىٍّ ينبّهه على فطرته، او يستشعر استشعاراً ضعيفاً مغلوباً فى غفلاته وهذا فى قليل من النّاس وقد يستشعر استشعاراً قويّاً يحمله على الطّلب ولا يدعه حتّى يوصله الى مطلوبه، مثل الكبريتيّة تكاد تشتعل ولو لم تمسسها نارٌ وهذا فى غاية النّدرة؛ والقسمان الاوّلان امّا يبقون فى كفرهم الصّراح ولا يتنبّهون من المنبّهات الخارجيّة والرّسل الالهيّة وليس لهم همٌّ الاّ قضاء شهواتهم ومقتضيات نفوسهم، وهؤلاء عامّة النّاس سواء دعاهم رسول خارجىّ او نوّابهم الى الله اوّلاً وسواء قبلوا الدّعوة الظّاهرة وبايعوا البيعة العامّة اولا؛ غاية الامر انّ من قبل الدّعوة الظّاهرة ودخل فى الاسلام ان مات فى حال حياة الرّسول او نائبه الّذى بايعه كان ناجياً نجاةً ما وكلّ هؤلاء مرجون لامر الله، لكنّ البايعين ليسوا مرجين لأمر الله بحسب اوّل درجات النّجاة بل بحسب كمال درجات النّجاة او يتنبّهون فيطلبون من يدلّهم على مبدئهم فامّا لا يصلون او يصلون، والواصل الى الدّليل امّا يعمل بمقتضى دلالة الدّليل او لا يعمل، والعامل امّا يبقى فى الكفر بحسب الحال او يتجاوز الى الشّرك الحالىّ او الى الشّرك الشّهودىّ او يتجاوز الى التّوحيد الشّهودىّ والتحقّقىّ وفى هذا الحال ان لم يبق له اشارة الى التّوحيد ولا توحيد كان عبداً لله وهو آخر مقامات العبوديّة وتماميّة الفقر وحينئذٍ يحصل له بداية مقامات الرّبوبيّة ان ابقاه الله تعالى بعنايته وان بقى على هذه الحالة ولم يبقه الله بعد فنائه لم يكن له عين ولا اثر فلم يكن له اسم ولا رسم ولا حكم؛ وهذا احد مصاديق الحديث القدسىّ: " انّ اوليائى تحت قبابى لا يعرفهم غيرى " ، واحد مصاديق الولىّ والامام (ع) كما نبيّنه.

تحقيق الولىّ والنّبىّ والرّسول والامام

وان ابقاه الله بعنايته بعد فنائه وتفضّل عليه بالصّحو بعد المحو صار وليّاً لله وهذه الولاية روح النّبوّة والرّسالة ومقدّمة عليهما وهى الامامة الّتى تكون قبل النّبوّة والرّسالة، فان تفضّل عليه وأرجعه الى مملكته وأحيى له اهل مملكته بالحياة الثّانية الاخرويّة وهذه هى الرّجعة الّتى لا بدّ منها لكلّ احد اختياراً فى حال الحياة او اضطراراً بعد المماة وهى الرّجعة فى العالم الصّغير صار نبيّاً او خليفةً للنّبىّ، وللنبوّة وخلافتها مراتب ودرجات لا يحصيها الاّ الله، وتطلق الامامة عليهما او على خلافة النّبوّة وهى النّبوّة الّتى هى روح الرّسالة ومقدّمة عليها فان وجده الله اهلاً لاصلاح مملكته بان لم يكن مفرطاً ولا مفرّطاً فى الحقوق وأرجعه الى الخلق لاصلاحهم صار رسولاً او خليفته وتطلق الامامة عليهما او على خلافة الرّسالة ومراتب الرّسالة وخلافتها ايضاً لا تحصى وهذه الاربعة أمّهات مراتب الكمال ولكلّ من هذه حكم واسم غير ما للاخرى.

السابقالتالي
2 3 4 5