الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } جواب لسؤالٍ ناشٍ من السّابق كأنّه قيل: هل كان النّاس متّفقين؟ - ومن اين وقع هذا الاختلاف؟ - فقال تعالى: كان النّاس أمّةً واحدةً تابعة لمشتهياتهم محكومة لأهويتهم غافلة عن ربّهم ومبدئهم ومعادهم كما يشاهد من حال الاطفال فى اتّباع الشّهوات من غير زاجر عنها، وكما يشاهد من حال اهل العالم الصّغير قبل ايجاد آدم (ع) واسكانه جنّة النّفس فانّهم يكونون امّة واحدة محكومة بحكم الشّياطين { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ } فى العالم الكبير والصّغير { مُبَشِّرِينَ } للمنقادين بجهة ولايتهم { وَمُنذِرِينَ } للكافرين بجهة رسالتهم فاختلفوا بالانكار والاقرار، واختلف المنكرون بحسب مراتب الانكار، والمقرّون بحسب مراتب الاقرار { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ } يعنى الاحكام الالهيّة الّلازمة للرّسالة، او الكتاب التّدوينىّ المشتمل على الاحكام فانّه لا يصدق الرّسالة الاّ اذا كان مع الرّسول احكام ارسل بها { بِٱلْحَقِّ } بسبب الحقّ المخلوق به الّذى هو علويّة علىّ (ع) وولايته المطلقة، او مع الحقّ او الباء للآلة وعلى اىّ تقدير فالجارّ والمجرور ظرف لغو متعلّق بأنزل وجعله حالاً محتاجاً الى تقدير عامل مستغنىً عنه بعيد جدّاً { لِيَحْكُمَ } الله على لسان النّبيّين او ليحكم الكتاب على طريق المجاز العقلىّ وقرئ ليحكم مبنيّاً للمفعول { بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } يعنى بعد بعث النّبيّين اختلفوا فأنزل الكتاب لرفع الاختلاف وهو دليل تقدير، فاختلفوا بعد قوله تعالى منذرين فانّ عدم انفكاك الاحكام عن الرّسالة مع كونها لرفع الاختلاف وكون النّاس قبل الرّسالة امّة واحدة دليل حدوث الاختلاف بالرّسالة والمراد بما اختلفوا فيه هو الحقّ الّذى انزل الكتاب به وهوٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [النبأ: 2-3] { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ } فى الحقّ او الكتاب الّذى انزل بالحقّ { إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ } وامّا غيرهم فحالهم فى الغفلة وكونهم امّة واحدةً حال النّاس قبل البعثة { مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ } الحجج الواضحات لا قبل اتمام الحجّة فليس اختلاف المنكر مع المقرّ الاّ عن عناد ولجاج لا عن شبهة واحتجاج ولذا قال تعالى { بَغْياً } ظلماً واستطالة واقعة { بَيْنَهُمْ } يعنى انّ المنكرين لم ينكروا الحقّ بشبهة سبقت الى قلوبهم ولا لعنادهم للحقّ بل الانكار انّما هو للاستطالة والتّعدّيات الّتى بينهم فاقرار المقرّ صار سبباً لانكار المنكر { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بعد الهداية او كان فيهم قوّة الاذعان والموافقة لا الّذين كان فيهم قوّة الاستطالة والطّغيان والمخالفة { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } من بيانيّة والظرف مستقرّ حال من ما او من ضمير فيه والعامل فيه عامل ذى الحال { بِإِذْنِهِ } بترخيصه واباحته التّكوينيّة ظرف لغو متعلّق باختلفوا او بآمنوا او بهدى وتفسيره بالاباحة والتّرخيص اولى من تفسيره بالعلم كما فسّره بعض { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } تأكيد لما سبق ودفع لتوهّم الشّريك له تعالى فى الهداية فانّ تقديم المسند اليه يفيد الحصر والتّأكيد، وتنبيه على انّ مناط هدايته تعالى ليس من قبل العبد بل هو مشيئتهُ تعالى حتّى يخرج العباد من مشيئتهم ولا ينظروا الى أعمالهم وتصريح بكون المؤمنين مرضيّين كما كانوا مهديّين وكون ما اختلفوا فيه هو الصّراط المستقيم.