الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلفَسَادَ }

{ وَإِذَا تَوَلَّىٰ } ادبر عنك او تولّى امراً من امورك او امور الدّنيا او صار والياً على الخلق { سَعَىٰ } اى اسرع فى السّير { فِي ٱلأَرْضِ } ارض العالم الصّغير او العالم الكبير، او ارض القرآن، او الاخبار، او السّير الماضية من الانبياء (ع) وخلفائهم (ع) { لِيُفْسِدَ } ليوقع الفساد { فِيِهَا } والافساد تغيير الشّيء عن الكمال الّذى هو عليه، او منعه عن الوصول الى كماله، والّلام لام الغاية او لام العاقبة فانّ المنافقين يظنّون انّهم يصلحون، { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: لاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ قَالُوۤاْ: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلاۤ إِنَّهُمْ هُمُ ٱلْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } { وَيُهْلِكَ } اى يفنى اصلاً { ٱلْحَرْثَ } ما يزرعه النّاس من نبات الارض او ما أنبته الله من مطلق نبات الارض { وَٱلنَّسْلَ } الولد الصّغير من المتوالدات او من الانسان.

تحقيق الافساد فى الارض واهلاك الحرث والنّسل

اعلم انّ عالم الطّبع بسماواته وسماويّاته وارضه وارضيّاته متجدّد ذاتاً وصفةً وفى كلّ آنٍ له فناءٌ من قبل نفسه وبقاءٌ من قبل موجده، وحاله بالنّسبة الى موجده حال شعاع الشّمس بالنّسبة الى الشّمس فانّ الشّعاع الواقع على السّطح لا بقاء له فى آنين بدليل انّه اذا وقع الشّعاع من روزنة بعيدة على سطح ينعدم عنه بمحض سدّ الرّوزنة ولا يبقى بعد سدّها آنين والمبقى للاشياء على سبيل الاتّصال بحيث يختفى تجدّدها هو المشيئة بوجه كونها رحمة رحمانيّة عامّة، وانّ الكائنات لها قوّة واستعداد وبحسب تفاوت الاستعدادات تتدرّج فى الخروج من القوّة الى الفعل سريعاً او بطيئاً، وتجدّد الفعليّات عليها ليس الاّ بالمشيئة بوجه كونها رحمة رحيميّة والمتحقّق بالمشيئة بوجه كونها رحمة رحمانيّة محمّد (ص) من حيث رسالته والمتحقّق بها بوجه كونها رحمة رحيميّة هو (ص) من حيث ولايته فبقاء الاشياء بالرّسالة واستكمالها بالولاية فكلّ شيءٍ بلغ الى آخر كمالات نوعه كان قابلاً للولاية على ما ينبغى له وما لم يبلغ انتقص من قبوله الولاية بحسبه، وكلّما لم يستكمل فى نوعه بشيءٍ من كمالاته لم يكن يقبل شيئاً من الولاية كما ورد عنهم (ع) فى الاراضى السّبخة والمياه المرّة او المالحة والبطيحة انّها لم تقبل ولايتنا اهل البيت، هذا بحسب التّكوين ولو انقطع هذه الرّحمة الرّحيميّة التكوينيّة عن الاشياء لم يستكمل شيء منها فى شيءٍ من مراتب كمال نوعه كما انّه لو انقطع الرّحمة الرّحمانيّة عن الاشياء لما بقي شيءٌ آنين، والى هذا الانقطاع اشاروا (ع) بقولهم: لو ارتفع الحجّة من الارض لساخت الارض بأهلها، وامّا بحسب التّكليف فالنّاس مكلّفون بالاقبال والتّوجّه على الولاية كما انّ صاحب الولاية متوجّه اليهم وبهذا الاقبال وذلك التوجّه يستكمل الحرث والنّسل فى العالم الصّغير ويزرع ما لم يكن يزرع بدون قبول الولاية والبيعة والمعاهدة ويتولّد ما لم يكن يولد بدونها، وكلّما ازداد التّوجّه من الخلق ازداد التّوجّه من صاحب الامر وبازدياد التّوجّهين يزداد الحرث والنّسل واستكمالهما فى العالم الصّغير وبازديادهما وازدياد استكمالهما فى الصّغير يزداد وجودهما واستكمالهما فى العالم الكبير فكلّ من جاهد فى استرضاء صاحبه ازداد بحسب جهاده توجّه صاحب الوقت ورضاه عنه، وبحسب ازدياد توجّهه ورضاه يزداد البركة فى الحرث والنّسل فى العالم الصّغير والكبير؛ واليه اشار بقوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ آمَنُواْ وَٱتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } فى العالم الصّغير والارض فى العالم الكبير؛ او من كليهما فى كليهما، وبقوله تعالى:

السابقالتالي
2