الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَٱلْحَجِّ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ وَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } مستأنفٌ مقطوع عن سابقه ولذلك لم يأت بأداة الوصل، والقمر فى اوّل الشّهر الى ليلتين هلال، وقيل: الى ثلاثة، وقيل: الى سبعةٍ، وكانوا يسألون عن الهلال ما باله يبدو فى اوّل الشّهر ضعيفاً ثمّ يتزايد حتّى يصير بدراً ثمّ يتناقص حتّى يصير ضعيفاً ومختفياً الى ان يظهر فى اوّل الشّهر الآخر هلالاً، وكان مقصودهم الاستفسار عن سبب ذلك ولمّا لم يكونوا اهل نظرٍ ولم يقتدروا على ادراك دقائق اسباب ذلك ولم يكن علم ذلك نافعاً لهم فى دنياهم ولا فى آخرتهم أعرض تعالى شأنه عن الجواب المطابق للسؤال وامر نبيّه (ص) ان يجيب بالحكم والغايات المترتّبة عليه فقال: { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ } جمع الميقات وهو ما يقدّر به الوقت ويعلم يعنى أنّ الاهلّة واختلافها سبب لمعرفة الاوقات ومعرفة ما يعرف بالاوقات من الزّراعات والتّجارات والدّيون وعُدد النّساء والحجّ والصّوم والفطر { لِلنَّاسِ } اى لانتفاع النّاس { وَٱلْحَجِّ } اى لمناسكه خصّ هذا بالذّكر للاهتمام به لانّ اكثر مناسكه موقّت من الشّهر، ويعرف هذه الغايات المترتّبة على اختلاف الاهلّة بادنى تذكّرٍ، وفى معرفتها فوائد كثيرة من معرفة فاعلٍ حكيمٍ مدبّرٍ عليمٍ قديرٍ معتنٍ بخلقه ولا سيّما بالانسان ومعرفة انعامه واحسانه المستلزم لتعظيمه وشكره والتوجّه اليه والتضرّع عليه فى الجليل واليسير والقليل والكثير بخلاف ما سألوا عنه.

تحقيق اتيان البيوت من الابواب ومنع الاتيان من الظّهور

{ وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ } عطف على { هى مواقيت } او على { يسألونك } بطريق الالتفات من الغيبة الى الخطاب ووجه المناسبة بينهما حتّى أتى بأداة الوصل انّ السّؤال عن اختلاف الاهلّة من غير اطّلاع على هيئة الافلاك ومناطقها ومقادير حركاتها وحقيقة القمر واكتسابه الضّوء من الشّمس دخول في بيت طلب هذا العلم او فى هذا العلم من ظهره لا من بابه فانّ باب العلم بما ذكر { بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ } لا اختصاص للبيوت بما يسمّيه العرف بيوتاً كما عرفت { مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ } الاتيان من الظّهور وقد مضى فى مثل الآية انّ حمل الذّات على المعنى امّا بتصرّفٍ فى الاوّل او فى الثّانى او فى النّسبة { وَأْتُواْ } عطف على محذوفٍ مستفادٍ من قوله تعالى: { لَيْسَ ٱلْبِرُّ } (الى آخرها) اى فلا تأتوها من ظهورها وَأْتوا { ٱلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا } كان الظّاهر ان يقول: وأْتِها من ابوابها لكنّه عدل الى صيغة الامر ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بأنّ اتيان البيوت اى امور المعاش والمعاد مأمورٌ به ومنظورٌ اليه فى نفسه ولو قال: وأْتها من ابوابها لتوهّم انّ المنظور اليه فى النّفى والايجاب كليهما هو القيد وانّ المعنى لو أردتم اتيان البيوت فأتوها من أبوابها لا من ظهورها يعنى انّ المقصود النّهى عن الدّخول من الظّهور لا الامر بالدّخول فى البيوت، وباب الامور وجهة الاشياء كلّها هو الولاية، نسب الى الباقر (ع) انّه قال: يعنى ان يأتى الامر من وجهه اىّ الامور كان، فهو أمرٌ باتيان الامور الدّنيويّة والاخرويّة جميعاً من وجوهها مثل ان يأتى الحرف والصّناعات من وجوهها الّتى هى اخذ علمها من علمها وتحصيل الاقتدار على عملها بالممارسة والتّكرار عند عاملها، ومثل ان يأتى الصّناعات العلميّة من وجوهها الّتى هى الاخذ من عالمها والمدارسة عنده، ومثل ان يأتى العلوم والاعمال الالهيّة من وجوهها الّتى هى الاخذ من عالمٍ الهىٍّ والمدارسة والممارسة عنده وباذنه وتعليمه فالعمدة فى طلب الامور طلب الوجوه المذكورة، والعمدة فى طلب الآخرة والعلوم الالهيّة طلب عالمٍ الهىٍّ منصوبٍ مجازٍ من الله بلا واسطة او بواسطة او بوسائط وبعد معرفته التّسليم والانقياد له لا الاخذ من الاباء والاقران والمشاهدات والعمل بالرّسوم والعادات، فقد ورد فى الاخبار والآيات ذمّ من قال:

السابقالتالي
2