الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } جملة مستأنفةٌ على مجيء الواو للاستئناف ولكن مجيء الواو للاستئناف المحض من غير ارتباطٍ ما بالسّابق بعيدٌ جدّاً فان شئت فسمّه استئنافاً شبيهاً بالعطف او عطفاً باعتبار المعنى كأنّه قيل؛ اذا سألوا عن طاعتى فقل: كتب عليكم الصّيام، واذا سألوا عن نسبتى فانّ المراد بالسّؤال عنه السّؤال عن نسبته الى عباده بقرينة الجواب بنسبته الى خلقه.

تحقيق قربه تعالى

{ فَإِنِّي قَرِيبٌ } يعنى فأجبهم بأنّه قريب لأنّى قريب فهو من اقامة السّبب مقام المسبّب وقربه تعالى ليس قرباً مكانيّاً ولا زمانيّاً ولا شرفيّاً ولا رتبيّاً بل قربه لا ماهيّة له حتّى يحدّ ولا كيف حتّى يعرف بالرّسم، وانّما هو قرب قيّومىٌّ نظير قرب ما به قوام الاشياء من الاشياء بل نظير قرب ضمّت اليها مع أنّها غير الوحدة وآثارها وخواصّها غير آثار الوحدة وخواصّها فالوحدة أقرب الاشياء الى الاعداد مع أنّها أبعد الاشياء عنها حتّى قيل: انّها ضدّ لها، فما أقربك يا من لك وحدانيّة العدد وأبعدنا موصوفين بالكثرات ونعم ما قيل:
دوست نزديكتراز من بمن است   وين عجبتر كه من ازوى دورم
وللاشارة الى هذا القرب قال (ع): داخل فى الاشياء لا كدخول شيءٍ فى شيءٍ؛ اشارة الى عدم تكيّفه ايضاً وهذا القرب نتيجة الرّحمة الرّحمانيّة الّتى يستوى فيها كلّ الأشياء، وله قرب آخر هو نتيجة الرّحمة الرّحيميّة وبهذا القرب يتفاضل المتفاضلون وفيه تنافس المتنافسين وتسابق المتسابقين، وبه يتجلّى الله على عباده كلّ يوم فى شأنٍ جديدٍ والى هذه القربات أشار بعض المطايبين لقوله:
بيزارم ازآن كهنه خدائى كه تو دارى   هر روز مرا تازه خدائى دكَر استى
وهذا القرب لمن اقرض الله من كثراته النفسانيّة باختياره شيئاً وجزاه الله من وحدته شيئاً ومن لم يكن له من هذا القرب شيء كان ملعوناً مطروداً مبغوضاً ومن كان له حظٌّ منه كان مرحوماً مدعوّاً مرضيّاً، ولذّة هذا القرب واقتصاءه الاشتداد سهّلت على السّلاّك الرّياضات والمجاهدات وسهر الليالى وظمأ الهواجر ولولا لذّة - هذا القرب لما غلب أحدٌ النّفس وشهواتها، روى أنّ اعرابيّاً سأل رسول الله (ص) أقريبٌ ربّنا فنناجيه؟ - ام بعيدٌ فنناديه؟ - فنزلت، وقيل: انّ قوماً سألوا رسول الله (ص) كيف ندعو الله؟ - فنزلت.

تحقيق اجابته تعالى وعدم اجابته للعباد

{ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } اجيب خبرٌ بعد خبرٌ بعد خبرٍ او مستأنف جواب لسؤالٍ مقدّر، والدّعوة بمعناها المصدرىّ او بمعنى المدعوّ له، والدّاع وصل بنيّة الوقف، واسقاط الياء للاشعار بأنّ دعاء كلّ داعٍ قاصر عن البلوغ الى مقام الذّات بان يكون المدعوّ هو الذّات من غير عنوانٍ له، واذا دعان شرط محذوف الجزاء بقرينة سابقة، واسقاط ياء المتكلّم والاقتصار على نون الوقاية وكسرته للاشعار المذكور، وليس اذا ظرفاً للاجابة سواء كان متضمّناً لمعنى الشّرط بان يقدّر اجيب جواباً له او لم يكن بان يكون متعلّقاً بأجيب المذكور لكثرة الاخبار الدّالّة على تأخّر الاجابة عن وقت الدّعاء بل هو منصوبٌ بدعان او نقول: هو ظرفٌ للادابة لكنّ المراد انّ { ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } لا غيرى سواء كان الغير من أسمائى او من غير أسمائى اجبته بلا مهلةٍ لا محالة، فانّ الانسان اذا كان مظهراً للشّيطان كان داعياً له سواء كان دعاؤه بلفظ الله والرّحمن والرّحيم او غيرها، واذا لم يكن مظهراً للشّيطان وكان متوجّهاً الى الرّحمن فان كان واقفاً فى مقامٍ ومتحدّداً بحدٍّ فدعاؤه لا يتجاوز عن ذلك الحدّ بل كان داعياً لله بعنوان ظهوره فى ذلك المقام وكان الاسم الّذى ظهر الله به عليه مسمّىً فى ذلك المقام فكان داعياً للاسم لا المسمّى؛ وان لم يكن متحدّداً بحدٍّ واقفاً فى مقامٍ لم يكن العنوان الّذى يدعو الله به مسمّى بل كان اسماً وكان الدّاعى داعياً للمسمّى بايقاع الاسماء عليه وحينئذٍ لا يتأخّر اجابة الله عن وقت الدّعاء بل نقول: الدّاعى حينئذٍ هو الله حقيقة وفى حقّه قال المولوىّ قدّس سرّه:

السابقالتالي
2 3