الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }

{ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } قلائل فانّ العرف تكنّى عن القلّة بالمعدودات وهو متعلّق بتتّقون ومتعلّق الصّيام محذوف بقرينة هذا والمراد بها ايّام الدّنيا او ايّام الصّوم وامّا تعلّقه بكتب او الصّيام فغير مستقيم لاخلال الاوّل بالمعنى والثّانى باللّفظ لوقوع الفصل بين المصدر ومعموله بالاجنبىّ الّذى هو { لعلّكم تتّقون } وهو غير جائز لضعفه فى العمل { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } يعنى فى تلك الايّام المقرّرة للصوم { أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ } وقد بيّن الفقهاء رضوان الله عليهم حدّ السّفر فيه وشرائطه وشرائط القصر والافطار به وحدّ المرض والافطار به { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فبدلها عدّة ايّام او فعليه عدّة ايّام من ايّامٍ اخر وقرئ بالنّصب بتقدير فليصم عدّة من ايّام اخر وهذا بظاهره يدلّ على لزوم الافطار لكليهما والانتقال الى البدل فانّه تعالى اتى بالشّرطيّة وجعل لازم الشّرط الّذى هو المرض او السّفر استبدال أيّام الصّوم بأيّام اُخر من دون قيدٍ وافاد انّ هذا الجزاء لازم لهذا الشّرط المطلق. وعن طريق العامّة اخبار كثيرة دالّة على الافطار فى السّفر وتقدير شرط بان يقال فعدّة من ايّام اخر ان افطر خلاف الظّاهر ومع ذلك فنقول: ان لم يكن فيها حجّة لنا عليهم كانت من المجملات المحتاجة الى البيان وقد بيّنوها لنا مثل سائر مجملات القرآن فانّ اخذ الاحكام من محض الالفاظ خصوصاً مجملات القرآن ليس الاّ محض التّفسير بالرّأى فان اصاب الحقّ فقد أخطأ وليتبوّء مقعده من النّار { وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } طاق الشّيء طوقاً واطاقه وعليه قدر؛ وعلى هذه القراءة قيل: انّه كان النّاس فى بدو الاسلام لم يتعوّدوا الصّوم فخيّرهم الله تعالى بين الصّوم والفدية ثمّ نسخت، او كان المراد على الّذين يطيقونه من المرضى والمسافرين ثمّ جاءت العزيمة بعد، او كان المراد على الّذين يطيقون الصّيام من المفطر المريض او المسافر عوضاً عمّا أفطر ثمّ نسخ التّخيير وبقى الصّوم فقط او الفدية ان لم يصم الى شهر رمضان الّذى بعد هذا الشّهر الّذى أفطره، او المراد على الّذين يطيقونه من امثال الشّيخ والشّيخة والمرضعة وذى العطاش فانّهم ان لم يطيقوه أفطروا وجوباً، وان أطاقوه كانو مخيّرين بين الصّوم والفدية، وأشير فى الاخبار الى اكثر هذه الوجوه، وقرئ (يطوّقونه) من التّفعيل و(يتطوّقونه) من التفعّل و(يطّوقونه) منه بادغام التّاء فى الطاء بعد الابدال و(يطيقونه ويطيّقونه) ملحقاً بالفعللة والتّفعلل اصلهما (يُطَيْوقونه) و(يَتَطيوقونه) كلّ ذلك من الطّوق بمعنى القدرة، او بمعنى القلادة مع افادة معنى التكلّف والجهد وعلى هذه القراءة فالمعنى على الّذين يتكلّفون الصّوم ويتعبون بسببه مثل المشايخ والمراضع وذوى العطاش ولا اشكال فيه بعد ذلك فالآية مجملة مثل سائر المجملات { طَعَامُ مِسْكِينٍ } مدٌّ من الطّعام او مدّان كما قيل { فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً } اى عمل خيراً على التّجريد او من عمل بطريق الطّاعة خيراً فى اداء الفدية بان يزيد فيها او بان يجمع بين الصّوم والفدية، او من تطوّع خير من جملة الطّاعات الدّينيّة { فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ } ايّها النّاس المخيّرون بين الصّوم والفدية او المرضى والمسافرون او القاضون المخيّرون او المعذورون او المتكلّفون بسبب الصّوم او المؤمنون على ان يكون كلاماً مستقلاًّ ترغيباً فى الصّوم من غير نظرٍ الى ما تقدّمه { خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } ان كنتم من اهل العلم او ان كنتم تعلمون أنّه أفضل اخترتموه.