الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ وَٱشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }

تحقيق الذّكر ومراتبه وفضائله

{ فَٱذْكُرُونِيۤ } باللّسان جهراً ودون الجهر وبالجنان سرّاً وعند الفعال بتذكّر الامر والنّهى وعند النّعم بالشكر { أَذْكُرْكُمْ } الذّكر بالكسر حفظ الشّيء فى الخاطر ويستعمل فى اجرائه على اللّسان وفى الصّيت والشّرف وقوله { وانّه لذكرٌ لك ولقومك } يحتملهما واطلاقه على المعانى الثّلاثة بمناسبة التذكار فى الخاطر، والآيات والاخبار الدّالّة على فضيلة ذكر الله كثيرة وكفى فى فضله هذه الآية الدّالّة على ايراث ذكر العبد لله ذكر الله له؛ ولا شرف أشرف منه، وما ورد فى عدّة اخبار قدسيّة من قوله تعالى: " انا جليس من ذكرنى " ؛ يدلّ على أنّه لا شرف أشرف منه وروى عن الصّادق (ع) انّه قال: من كان ذاكراً لله على الحقيقة فهو مطيع، ومن كان غافلاً عنه فهو عاصٍ، والطّاعة علامة الهداية والمعصية علامة الضّلالة، وأصلهما من الذّكر والغفلة، وهذا الخبر يدلّ على انّ الطّاعات بذكر الله طاعاتٌ واذا كانت خالية عن ذكر الله بان كان العابد غافلاً عن الله حين العبادة كانت معصية، وروى عن الباقر (ع) انّه قال: لا يزال المؤمن فى صلاة ما كان فى ذكر الله قائماً كان او جالساً او مضطجعا؛ انّ الله سبحانه يقول:ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [آل عمران:191]، وهذا يدلّ على انّ ذكر الله هو الصّلاة او هو حقيقة الصّلاة وروحها، والصّلاة قالبه ولذا كانت أكبر من الصّلاة، والآيات الدّالّة على النّهى عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه والامر بالأكل او اباحة الأكل ممّا ذكر اسم الله عليه اذا عمّم الأكل والآكل والمأكول تدلّ على انّ ذكر الله هو المحلّل والمبيح للاشياء والافعال وبدونه لا يحلّ شيء منهما فذكر الله حقيقة الطاعات وغايتها ومصحّح العبادات ومحلّل الاشياء ومبيح الافعال، وغاية الذّكر ظهور المذكور فى ملك الذّاكر وفناء الّذاكر بحيث لا يبقى منه ذات وأثر وذكر ويبقى المذكور في ملك الّذاكر قائلاً:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16]؟ - مجيباً: { لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ }.

وللذّكر بحسب القرب والبعد من تلك الغاية مراتب وامّهاتها اربع ولكلّ منها مراتب ودرجات:

واولى المراتب الاربع الذّكر اللّسانىّ وهو اجراء المذكور باسمائه وأوصافه على اللّسان ومراتب هذا الذّكر اذا لم يكن غلافاً للشّيطان بحسب غفلة الذّاكر عن المذكور وتذكّره له بدرجات التّذكّر وحضور المذكور فى قلب الذّاكر وحضور الذّاكر عند المذكور باستيلاء المذكور عليه بحيث يكون المذكور اصلاً والذّاكر تابعاً، وبحسب اتّحاده مع المذكور وفنائه التّامّ فيه وبقاء المذكور وحده وبقاء الذّاكر بعد الفناء ببقاء المذكور، وكذا بحسب اقترانه بالذّكر القلبىّ كثيرة، ودرجات كلّ مرتبة منها ايضاً كثيرة.

السابقالتالي
2