الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

تحقيق ابتلاء ابراهيم بكلمات { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ } ابتليته اختبرته وامتحنته او استخبرته فأبلانى اى أخبرنى وكلا المعنيين صحيحٌ هاهنا والمعنى امتحنه بسبب عرض كلماتٍ عليه هل يعلمه او يتحمّله ام لا او استخبره كذلك وقرئ ابرهيم ربّه برفع ابرهيم ونصب ربّه بمعنى سأل { إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } على ان يكون ابتلى بمعنى استخبر المستلزم للسّؤال، والكلمات جمع الكلمة وهى فى عرف الادباء لفظ موضوع لمعنى مفرد، وفى اللّغة اللّفظة والقصيدة وتستعمل فى كلّ لفظ موضوع مفرداً كان ام مركّباً، ناقصاً ام تامّاً، وفى الكلمات النّفسيّة كذلك، وفى عرف الشرع تستعمل فى الكلمات اللّفظيّة والنّفسيّة كاللّغة، وفى الكلمات الوجوديّة الّتى هى مراتب الوجود طولاً وأنحاء الوجودات عرضاً، فانّ خصوصيّات المصادق غير معتبرة فى مفاهيمها عندهم فانّ القلم مثلاً اسم لما يكتب به وليس كونه قصباً او حديداً او غير ذلك معتبراً فى مفهومه، والكلمة ما دلّ على معنى من دون اعتبار خصوصيّة اللّفظ او النّقش او الوضع من واضع بشرىٍّ فيها، وقد كثر اطلاق الكلمات فى الآيات والاخبار على أنحاء الوجودات والمراد بالكلمات مراتب الوجودات الّتى هى شؤن انسانيّة الانسان المستلزمة للكمالات الانسانيّة النّفسيّة والاضافيّة من الاخلاق والنّبوّات والرّسالات والامامات، والمراد بالابتلاء بهنّ عرضهن عليه بايداع انموذجٍ من كلّ فى وجوده بحيث يستشعر ويلتذّ به ويشتاق الى أصله فيجول بشوقه حتّى يبلغ الى حقيقته وتمكّن وتحقّق بها فانّه اذا اراد الله بعبدٍ ان يظهر منه خيراً او شرّاً ابتلاه بشيءٍ من الغيب بمعنى انّه ينبّهه على انّ ما وراء الشّهادة شيءٌ فيظنّ اوّلاً ذلك الشيء ويشتاقه فقد يجول حول ظنّه وقد يسكن عن الحركة الى مآرب نفسه حتّى يصير ظنّه علماً فيشتدّ شوقاً فقد يجول حول علمه أكثر من جولانه حول ظنّه وقد يسكن عن الحركة الى ما اقتضته نفسه حتّى يصير علمه وجداناً بايداع انموذج ذلك الامر فى نفسه شاعراً كان فى تلك المراتب بظنّه وعلمه ووجدانه او غير شاعرٍ فيجول حول وجدانه اكثر من جولانه السّابق حتّى يصير وجدانه شهوداً فيجول حول مشهوده اكثر من السّابق حتّى يتّصل فيلازم المتّصل به حتّى يتّحد فيلازم حتّى يبقى المتّحد به وحده وكلّ من تلك المراتب له درجات بحسب اشتداده وضعفه وللسّالك فى الدّرجات حالات بحسب تلوينه وتمكينه، وان سكن المتنبّه وحام حول نفسه عن مظنونه ومعلومه كان كمن آتاه الله آياته فانسلخ منها وظهر شرّه، والمراد باتمام الكلمات اتمامها من حيث الاضافة اليه عليه السّلام لا من حيث أنفسها فانّها تامّات من حيث أنفسها بل فوق التّمام وتماميّته اضافتها بالتمكّن فى التحقّق بها وهو آخر المراتب والدّرجات، فالمعنى واذكر حتّى تكون على بصيرة فى أمرك او فى أمر من تعلّمه السّلوك الى الآخرة او ذكّر حتّى يعلم من يريد السّلوك الى الله وقتاً ابتلى ابراهيم (ع) ربّه باذاقة طعم من اللّطائف الوجوديّة الغيبيّة واشمام رائحةٍ منها فوجد والتذّ واشتاق واهتزّوا نماث وطاب ووصل واتّصل واتّحد { فَأَتَمَّهُنَّ } وصار واحداً متحقّقاً متمكّناً ولمّا كان ظهور لطائف الانوار الخمسة محمّدٍ (ص) وعلىٍّ (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) او الاثنى عشر او الاربعة عشر من لوازم اتمام تلك الكلمات، وهكذا الحال فى الامتحان بذبح الولد فسّر الكلمات فى الاخبار بها، ولمّا كان ابرهيم (ع) بالنّسبة الى محمّد (ص) ناقصاً وان كان بالنّسبة الى سائر الانبياء تامّ الكلمات أتى بالجمع السّالم خالياً عن الّلام مفيداً للقلّة بخلاف محمّدٍ (ص) حيث قال

السابقالتالي
2 3