الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَآ أُوْلَـٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاَّ خَآئِفِينَ لَّهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَّنَعَ مَسَاجِدَ ٱللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ } عطف على جملة كذلك قال الّذين لا يعلمون فانّها تشعر بأنّهم يمنعون عباد الله عن الاسلام وعن مساجدهم الصّوريّة وعن مساجدهم الحقيقيّة الّذين هم الرّسول وخلفاؤه، { وَمَنْ أَظْلَمُ } استفهام انكارىٌّ فى معنى النّفى فكأنّه قال كذلك يمنع الّذين لا يعلمون مساجد الله ولا اظلم ممّن منع مساجد الله، ومنع ضدّ أعطى وهو يتعدّى الى المفعولين بنفسه، والى الاوّل بمن والى الثّانى بنفسه، والى الاوّل بنفسه والى الثّانى بعن او بمن، ومساجد الله هاهنا مفعول اوّل وان يذكر مفعولٌ ثانٍ او مساجد الله مفعولٌ ثان وان يذكر بدل منه بدل الاشتمال والمفعول الاوّل محذوف والتّقدير: من اظلم ممّن منع النّاس عن مساجد الله عن الذّكر فيها.

تحقيق الظلم

والظّلم وضع الشيء فى غير ما وضع له ومنعه عمّا وضع له ولذا فسّر باعطاء الحقّ لغير المستحقّ ومنع الحقّ من المستحقّ وهو ينشأ من ظلمة النّفس وعدم استنارتها بنور العقل، ولذا اشتقّ اسمه منها، لانّ من أظلم نفسه ولم يستضيى بضياء العقل ولم يكن تابعاً لولىّ الامر لا يتميّز الحقّ والمستحقّ عنده، ومن لم يميّز الحقّ والمستحقّ لا يمكنه اعطاء الحقّ للمستحقّ ويعطى الحقّ لغير المستحقّ ويمنع المستحقّ عن الحقّ فى عالمه الصّغير فانّ لكلٍّ من قواه ومداركه واعضائه حقّاً ولكلّ واحدٍ منها مستحقّاً هو حقّ له وينبغى اعطاءه لذلك المستحقّ وهو العقل المنقاد لولىّ الامر، واذا صار ظالماً فى عالمه الصّغير صار ظالماً فى العالم الكبير بالنّسبة الى من تحت يده والى غيرهم ولا أقلّ من الظّلم الّذى هو منع نفسه عن المستحقّ الّذى هو ولىّ أمره ويتدرّج فى هذا الظّلم حتّى ينتهى امره الى منع المستحقّ الّذى هو غاية الغايات الّذى هو ولىّ الامر نبيّاً كان ام وصيّاً عن الحقّ الّذى هو غاية الحقوق ونهاية العبادات وهو ذكر اسم الله تعالى عنده وفيه وله كما قال تعالى:ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤءَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ } [الروم:10] وامّا التّابع لولىّ الامر فانّه اذا كان آخذاً من ولىّ أمره عاملاً بأمره تاركاً لما نهى عنه كان عادلاً بعد له مستنيراً بنوره وان لم يكن مستنيراً بنفسه.

تحقيق المسجد

والمساجد جمع المسجد بكسر الجيم وقد يفتح وهو محلّ السّجود وهو غاية الخضوع فتمام الارض مسجد بهذا المعنى لأنّ جملة ما فيها ليس لها الاّ التذلّل فجملة وجه الارض محلّ لتذلّل ما فيها وقال النّبىّ (ص): جعلت لى الارض مسجداً وطهوراً لشهوده (ص) سجود الكلّ فى كلّ الارض وبهذا المعنى صارت الصّدور المنشرحة بنور الاسلام والقلوب المستنيرة بنور الايمان مساجد حقيقيّة لسجود كلّ ما فيهما وتذلّلها حقيقة، وامتياز لمساجد الصوريّة من بين بقاع الارض باسم المسجد واسم بيت الله ليس بهذا المعنى ولا لخصوص البقعة ولا لخصوص اللّبنة والطّين والجصّ وسائر آلات البناء، ولا لخصوص البنّاء والعملة والاّ لشاركها فى هذا الاسم كلّما شاركها فى هذه بل الامتياز بنيّة الواقف لانّ الواقف اذا كان نيّته صحيحة خالصة لوجه الله غير مشوبة بأغراض النّفس صار صدره منشرحاً وقلبه مستنيراً وصارا مسجدين لله وبتوجّهه الى تلك البقعة تصير البقعة مستنيرةً وتمتاز بالمسجديّة وبكونها بيت الله، فاذا صار الانسان متمكّناً فى ذلك الانشراح والاستنارة صار مسجداً وبيتاً لله على الاطلاق، وان لم يكن متمكّناً فيهما كان مسجداً وبيتاً لله وقت الاتّصاف بهما، وكلّما ازداد واشتدّ الاتّصاف به ازداد واشتدّت المسجديّة والبيتيّة لله، وكلّما اشتدّ مسجديّته لله اشتد مسجديّة ما بناه لله؛ واليه أشار المولوى قدّس سرّه بقوله:

السابقالتالي
2 3 4