الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

{ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فيتصرّف فيهما على ما اقتضته حكمته { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } بنفسه بحسب نفس الأمر وبتوسّط خلفائه بحسب ظاهر الأمر او من دون ذاته بحسب التّكوين ومن دون خلفائه بحسب التّكليف، او من دون الله فى مظاهره العالية والدّانية تكويناً وتكليفاً { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }.

تحقيق الولىّ والنّصير

اعلم انّ الانسان خلق محتاجاً فى بقائه واستكماله فى ذاته وصفاته ومعرضاً لما يفنى ذاته وكمالاته الحاصلة ولما يمنعه عن الوصول الى كمالاته المترقّبة له فاحتاج الى ما يجذب اليه ما يحتاج اليه فى بقائه واستكماله، والى ما يدفع عنه ما يفنيه ويمنعه عن كماله وكانت سنّة الله ان يجرى الاشياء بالاسباب فخلق تعالى فيه قوّة شوقيّة خادمة للشهويّة والغضبيّة الخادمتين للمدركة المنشعبة الى قوىً عديدةٍ باعثة على الحركة مستخدمة للقوّة المحرّكة المودعة فى الاعصاب المستخدمة للاعصاب والرّباطات وبتوسّطها للاعضاء فتجذب بسبب الاعضاء وحكم القوّة الشّهويّة ما يلائمة وتدفع بسبب الاعضاء والقوّة الغضبيّة ما يضرّه؛ هذا بحسب مقام جسمه، وأمّا بحسب مقام روحه فله ما ينفعه وما يضرّه واصل النّافعات الملك الزّاجر الموكّل عليه من الله، واصل الضّارّات الشّيطان المغوى الموكّل عليه فجعل الله تعالى له حكمة نظريّةً يبصر بها ببصيرته تصرّف الملك وزجره، وتصرّف الشّيطان واغوائه، وحكمة عمليّة تخدم القوّتين اللّتين بهما الحبّ فى الله والبغض فى الله بازاء الشّهويّة والغضبيّة وهما تخدمان الحكمة النّظريّة، ولمّا جعل العالم الصّغير نسخة موجزة عن الكبير وحاكية عمّا فى الكبير والتّكليف مطابقاً للتّكوين كان فى الكبير لا محالة قوّة جاذبة لنافع الانسان وقوّة رادعة لضارّه سواء كانت تلك القوّتان فى شخصٍ واحدٍ او فى شخصين، والولىّ هو الّذى يكون مربّياً بجذب ما ينفع المولّى عليه فى بقاء ذاته وحصول كمالاته، والنّصير هو الّذى يكون دافعاً عنه ما يضرّه وبوجهٍ آخر الولىّ من يكون داخلاً فى ملكه، والنصير من يكون خارجاً حامياً، والقوّة الشهويّة والقوّة المورثة للحبّ فى الله فى الدّاخل كالولىّ فى الخارج، والقوّة الغضبيّة والقوّة الموجبة للبغض فى الله كالنّصير، وكلّ رسول بولايته ولىّ لأمّته وبرسالته نصير؛ وهكذا كان حال الاوصياء فانّهم كانوا بولايتهم اولياء وبخلافتهم أنصاراً وكلّ رسول فى زمانه كان وليّاً وخليفته نصيراً فانّ الرّسول (ص) فى زمانه مربٍّ وخليفته حام فمحمّد (ص) فى حياته كان اماماً ناطقاً بشيراً وليّاً هادياً مربّياً رحيماً، وعلىّ (ع) اماماً صامتاً منذراً نصيراً حامياً قتّالاً؛ ولذا قال (ص): " أنا وعلىّ أبوا هذه الامّة، وقوله (ص): أنا المنذر وعلىٌّ الهاد " ؛ اشارةٌ الى حيثيّة رسالته وولاية علىٍّ (ع)؛ انّما انت منذرٌ باعتبار شأن الرّسالة، ولكلّ قومٍ هاد: باعتبار شأن الولاية، ولاقتضاء تعدّد العنوان تعدّد المظهر كانت الدّعوة فى الاغلب بتظاهر نفسين احداهما مظهر عنوان الولىّ والاخرى مظهر عنوان النّصير.