الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }

تحقيق مراتب الوجود وانّه حقيقة واحدة مشكّكة

{ الۤمۤ } ، اعلم انّ الوجود حقيقة واحدة متأصّلة فى التحقّق ظاهرة فى مراتب كثيرة متفاوتة بالشدّة والضّعف والتقدّم والتأخّر متكثّرة بحسب تكثّر التّعيّنات الّتى نشأت من تنزّلاتها والتعيّنات تابعة لها فى التحقّق مجعولة بمجعوليّتها معلولة بمعلوليّتها لا حكم لها فى انفسها لانّها من حيث هى ليست الاّ هى لا معدومة ولا موجودة ولا موصوفة بشيء من توابعهما، والمدارك الحيوانيّة لتقيّدها بالتعيّنات الكثيرة لا تدرك الاّ الموجودات المقيّدة بالتعيّنات من حيث هى مقيّدة ولذا تتوهّم انّ الاصل فى التحقّق والمجعول بالذّات والمحكوم عليه هى التعيّنات وانّ الوجودات امور اعتباريةً لا حقيقة لها ولا عليّة ولا معلوليّة فيها.

واعلم ايضاً انّ مرتبة من تلك الحقيقة غيب مطلق لا خبر عنها ولا اسم لها ولا رسم والاخبار عنها بأن لا خبر عنها من قبيل الأخبار عن المعدوم المطلق بأنه لا خبر عنه والاسم الّذى استأثره الله تعالى لنفسه ولم يظهره لغيره هو فى تلك المرتبة، ومرتبة منها ظهور المرتبة الاولى وتجلّيه تعالى بأسمائه وصفاته وذلك الظّهور يسمّى باعتبارٍ بالواحديّة وباعتبارٍ بالمشيئة كما يسمّى باعتبارٍ بالعرش وباعتبارٍ بالكرّسى وباعتبارٍ بالله وباعتبارٍ بالعلىّ وهى كلمة الله وفعل الله واضافته الاشراقيّة ونور الله فى السّماوات والارض وتسمّى بنفس الرّحمن للتّشبيه بنفس الانسان وهى البرزخ بين الوجوب والامكان والجامع بين الاضداد كلّها وفى تلك المرتبة يجئ الكثرة كما شئت بحسب كثرة الاسماء والصّفات وبحسب كثرة التعيّنات:

تحقيق معنى بسيط الحقيقة كلّ الاشياء

وما قيل انّ بسيط الحقيقة كلّ الاشياء وليس بشئ منها، اشارة الى تلك المرتبة؛ والاّ فمرتبة الوجوب الذّاتىّ لا خبر عنه كما مرّ ووجه كونها كلّ الاشياء انّها ماخوذة لا بشرط والمأخوذ لا بشرطٍ لا ينافى المأخوذ بشرطٍ بل هو مقطوع النّظر عن الشّرط وما ورد فى الايات والاخبار فى بيان هذا الاتّحاد مشيراً الى بقاء المغايرة بين هذه المرتبة وبين الاشياء مثل قوله تعالىوَهُوَ مَعَكُمْ } [الحديد: 4] وقوله تعالىفَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ } [البقرة: 115] وقولهأَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } [فصلت: 54] وقولهٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [النور: 35] وقول المعصوم (ع) داخل فى الاشياء لا بالممازجة وقوله (ع) ما رأيت شيئاً الاّ ورأيت الله فيه وغير ذلك ممّا يدلّ على الاتّحاد والمغايرة اجود من قولهم بسيط الحقيقة كلّ الاشياء وليس بشيئ من الاشياء، حيث يحتاج الى هذا القيد ويوهم اتّحاده مع الاشياء ومن حيث انّها مقيّدة بقيودها ومراتب منها ظهورات تلك المرتبة بحسب تنزّلاتها وترقيّاتها وتكثّراتها بحسب التعيّنات وتلك المراتب هى الّتى تسمّى باعتبار بالملائكة الّذين هم قيام لا ينظرون والصّافات صفّاً والمدبّرات امراً والرّكّع والسجّد وعالم الكون المنقسم الى السّماويّات والارضيّات، وباعتبارٍ بالاقلام العالية واللّوح المحفوظ ولوح المحو والاثبات وعالم العين المنقسم الى الاباء العلويّة والامّهات السّفليّة ودار الجنّة وكلّ تلك المراتب نازلها مثال وظهور لعاليها وعاليها حقيقة لنازلها والانسان الّذى هو خلاصة جملة الموجودات ايضاً له مراتب كمراتب العالم وكلّ مرتبة منه حقيقة او رقيقة لما سواه فكلّما يجرى على لسان بشريّته رقيقة وتنزّل وظهور لما يجرى على لسان مرتبة مثاله، وما يجرى على لسان مثاله رقيقة لما يجرى على لسان قلبه، وهكذا وكلّ تلك رقائق لما ثبت فى المشيّة وفضل الانسان بقدر الاستشعار بتلك المراتب والاتّصال بها، ومن لا يدرك من الانسان سوى البشريّة فقدره قدر البهيمة واكثر النّاس غافلون عن تلك المراتب لا يدركون من الانسان سوى ما فى ظاهره والمستشعر بتلك المراتب والمتحقّق بها اذا تكلّم هو او غيره بكلمة يستشعر بحقائق تلك الكلمة وصور حروفها فى المراتب العالية او يتحقّق بها.

السابقالتالي
2 3 4