الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }

{ وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا }.

اعلم، انّ دركات الجحيم واقعة فى الآخرة ولا يدخلها الاّ من خرج عن الدّنيا وعن عقبات البرزخ ووصل الى الاعراف وبقى عليه فعليّة مناسبة للنّار، وامّا قبل ذلك فلا يدخل احد النّار وكانت ابواب الجحيم مغلقة ولذلك يقال: حينئذٍ ادخلوا ابواب الجحيم، وقال تعالى:حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا } [الزمر:71] فرتّب فتح الابواب على مجيء اهلها لانّها كانت مغلقةً قبل المجيء واهل الجنّة بعد الوصول الى الاعراف لا يبقى عليهم الاّ فعليّة مناسبة للجنّة فلا يدخلون النّار لكن نقول: الدّنيا انموذجة من الجحيم والاخلاق الذّميمة والاوصاف الرّدّيّة كلّها انموذجة منهما، ومشتهيات النّفس والآلام والاسقام من فوران الجحيم، والبرزخ بوجهٍ هو جحيم الدّنيا كما انّه بوجهٍ هو جنّة الدّنيا، والواردون على الاعراف كلّهم واردون على الجحيم بمعنى انّهم مشاهدون لها وكلّ النّاس مؤمنهم وكافرهم لا بدّ لهم من العبور على الدّنيا والاتّصاف بمشتهياتها والعبور عن الرّذائل والاوصاف الرّدّيّة ومشتهيات النّفس، وقلّما ينفكّ الانسان عن علّةٍ ما او المٍ ما، ولا بدّ للكلّ من العبور على البرزخ اختياراً او اضطراراً لكنّ العبور يتفاوت بتفاوت الاشخاص والاحوال والكلّ واردون على الاعراف وواردون على جحيم الآخرة بمعنى انّهم مشاهدون لها، اذا عرفت ذلك، عرفت وجه الجمع بين الاخبار المتخالفة الواردة فى هذا الباب وعرفت انّ المراد بالنّسخ فيما ورد انّ هذه الآية منسوخة بآيةإِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء:101] هو النّسخ الجزئىّ الّذى يكون بحسب الاشخاص والاحوال لا النّسخ الكلّىّ فانّ هذا الورود من لوازم وجود الانسان وكيفيّة خلقته ولذلك قال تعالى بعد الاخبار به { كَانَ } ذلك { عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً } مؤكّداً بتأكيداتٍ لكن قد يعرض الانسان جذبة من جذبات الرّحمن لا تبقى عليه اثراً من الدّنيا ونيرانها ولا منَ البرزخ وعقباتها، ولا من الاعراف ومشاهداتها فكان الورود المحتوم منسوخاً ومرتفعاً فى حقّه، وما ورد انّ النّار تقول للمؤمن يوم القيامة: جُزيا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى؛ كان اشارة الى الدّنيا ومشتهيات النّفس او الاخلاق الرّذيلة او البرازخ، وكذلك قول المعصوم جُزناها وهى خامدة.