الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً }

اعلم، انّ الانسان الكامل ذو نشأت وفى كلّ نشأةٍ له اموالٌ واقرباء وكما انّ صحّة النّسب الجسمانيّة مبتنيةٌ على ما اسّسه الشّارعون فى كلّ شريعةٍ وملّةٍ لتصحيحها كذلك النّسبة الرّوحانيّة مبتنيةٌ صحّتها على ما اسّسوه من عقد الايمان، وكما انّ النّسبة الجسمانيّة اذا لم تكن مبتنيةً على ما اسّسوه لم تكن مؤثّرة فى ترتّب آثار النّسبة من الميراث وغيرها كذلك النّسب الرّوحانيّة اذا لم تكن مبتنيةً على ما اسّسوه لم تكن مؤثرةً، وكما انّ المنتسب بالنّسبة الجسمانيّة اذا لم يكن له ما يصحّح نسبته كان لغيّة كذلك المنتسب بالنّسبة الرّوحانيّة اذا لم يكن له ما يصحّح نسبته كان منتحلاً، وقد مضى تحقيق تامّ للنّسبة الجسمانيّة والرّوحانيّة والفرق بينهما وشرافة النّسبة الرّوحانيّة بالنّسبة الى الجسمانيّة فى سورة البقرة عند قولهوَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } [البقرة:83]، وكما انّ الانسان ما دام يكون فى عالم الطّبع كان له اموال واذا انصرف من هذا العالم كان الاحقّ بأمواله قراباته بحقّ النّسبة الجسمانيّة كذلك المتخلّف عن الكامل فى العوالم الرّوحانيّة كان الاحقّ به قراباته الرّوحانية، وكما انّ المتخلّف عن مرتبته الجسمانيّة لا حقّ لقراباته الرّوحانيّة فيه كذلك المتخلّف عن مرتبته الرّوحانيّة لا حقّ لقراباته الجسمانيّة فيه فان كلّ خلّةٍ وكلّ نسبةٍ منقطعة يوم القيامة الاّ الخلّة والنّسبة فى الله، ولمّا كان اصل الكاملين وابو الآباء الرّوحانيّة علىّ بن ابى طالب (ع) وكان منصرفاً عن جميع العوالم ومتمكّناً فى مقام المشيّة الّتى هى فوق الامكان كان جميع عوالم الامكان متخلّفة عنه وميراثاً لاولاده المنتسبين اليه بالنّسبة الصّحيحة بقدر مراتبهم فى النّسبة، وان كانوا فى الدّنيا مغصوباً منهم امواله كما قال تعالى:قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ } [الأعراف: 32] بالايمان الخاصّ وعقد الايمان مع علىّ (ع) مغصوباً عليها فى الدّنيا خالصة يوم القيامة وهذا معنى ايراث الفردوس، وامّا ايراث منازل اهل النّار للمؤمنين فهو عبارة عن ايراث ما كان اهل النّار يستحقّونه لو لم يقطعوا نسبتهم الى علىٍّ (ع) فانّ كلّ الموجودات لها نسبة فطريّة الى علىّ (ع) وقد يقطع الانسان نسبته الفطريّة الى الولاية فيترك منازله وامواله الّتى كانت مقرّرة له بحكم الولاية التّكوينيّة فيرثها ذوو انسابه الآخرون مثل الجنين الّذى يترك من اموال الميّت قسط له فان تولّد حيّاً وبلغ اخذ قسطه وان ولد ميّتاً او لم يبلغ كان قسطه لسائر الورثة بحكم النّسبة، اذا عرفت ذلك، فلا حاجة لك الى التّكلّفات الّتى ارتكبوها فى تصحيح اطلاق الارث على ما ذكر، ومن عبادنا ظرف لغو متعلّق بنورث والمعنى نورث الجنّة من مال عبادنا المخصوصين الّذين خرجوا من رقّيّة انفسهم وصاروا بتمام وجودهم خالصين لنا فصاروا كاملين ومكمّلين ومالكين بتمليكنا درجات الآخرة، وبعد ما تخلّفت منهم بتوجّههم ونقلهم الى ما فوقهم اورثنا تلك الدّرجات منهم عباداً كانوا اتقياء بان دخلوا فى الولاية فانّ التّقوى الحقيقيّة لا تتصوّر الاّ بالدّخول فى الولاية او من عبادنا ظرف مستقرّ حال ممّن كان تقيّاً والمعنى حينئذٍ نورث الجنّات من كان تقيّاً حال كونه صار من عبادنا بان اشترى الله منه ماله ونفسه بانّ له الجنّة، وفائدة التّقييد بالحال الاشعار بانّ التّقوى الحقيقيّة لا تحصل الاّ بالبيعة الولويّة او النّبويّة.