الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً }

{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } خسران الرّجل ضلاله، وخسران التّجارة المبايعة بنقصان البضاعة او الغبن فى المعاملة، وخسران العمل ضياعه وبطلانه بلا ثمرٍ، فالخاسر العمل من لا يترتّب على عمله فائدته المقصودة منه ولا يبقى من عمله اثر ينفعه، والاخسر من كان يترقّب بعمله خيراً كثيراً ويتعب نفسه فيه ثمّ لم يترتّب على عمله مأموله او ترتّب عليه ضدّ مأموله.

اعلم، انّ الانسان من حيث مقام نفسه واقع بين العالمين قابل لتصرّف الجنّ والشّياطين فيه ولتصرّف الملائكة والارواح الطّيّبة، وكلّما يفعله فى هذا المقام يكون امّا بحكومة حكّام الله او بحكومة حكّام الشّيطان لانّه فى هذا المقام محكوم صرف لا حكومة له فى نفسه ولا فى غيره ولذا فسّر قوله تعالى:وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [المائدة:44] بمن حكم بغير ما انزل الله لانّه لا يكون خالياً عن حكمٍ ما البتّة، واذا لم يحكم بما انزل الله يكون حاكماً فى حكمٍ ما بغير ما انزل الله، وكلّما يفعله بحكومة الشّيطان يكون ضائعاً خاسراً لكنّه اذا تنبّه بان فعله بحكومة الشّيطان وانزجر من فعله ولام نفسه او تردّد فى انّ فعله من حكومة الله او حكومة الشّيطان او كان غافلاً عن الحكومتين فى فعله كان خاسراً ولم يكن اخسر عملاً، لانّه لم يبطل استعداده لمراتب الطاف الله من الغفران والعفو والصّفح والتّكفير وتبديل السّيئات حسناتٍ، واذا لم يتنبّه بذلك بل اعتقد انّ فعله بحكومة الله وانّ له عليه اجراً يكون اخسر، لانّه ضلّ عمله وهو يحسب انّ عمله مدّخر له وابطل بذلك استعداده لتدارك الطاف الله بجهله المركّب الّذى عدّه علماء الاخلاق من الدّاء الّذى لا دواء له، وقد فسّر الاخسرين فى الآية باهل الكتاب وبكلّ من ابتداع رأياً وهو يرى انّه حسن، وباهل الشّبهات والاهواء من اهل القلبة وباهل البدع منهم وباهل حروراء، ولا ينافى ذلك تعميم الآية لكلّ من يفعل بحكومة الشّيطان وهو يرى انّه حسن بل يستفاد التّعميم من اختلاف التّفسير وللاشارة الى التّعميم فسّره بقوله { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. }.