الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً } * { تُسَبِّحُ لَهُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً تُسَبِّحُ لَهُ } اى تسبّحه على ان يكون اللاّم للتّقوية او تنزّه وجودها من شوب النّقص والتّعيّن للتّقرّب الى الله { ٱلسَّمَاوَاتُ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } اى ما فيهنّ لكن اتى بمن تغليباً، ولانّ التّسبيح من اوصاف العقلاء فلمّا نسب اليها ناسب تأديتها بلفظ العقلاء، او المراد العقلاء فقط { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ } تصريح بالتّعميم بعد التّأدية بلفظٍ موهمٍ للتّخصيص او تعميمٌ وحصرٌ بعد اطلاقٍ وتقييدٌ بالحمد بعد اطلاق التّسبيح { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ }.

اعلم، انّ الاشياء الامكانيّة برمّتها هاربة من نقائصها طالبة لكمالاتها، والكلّ متحرّكة نحو تلك الكمالات وهى شؤن الحقّ الاوّل وتجلّيه وهذا الهرب والطّلب هو تسبيحهم الفطرىّ وتنزيههم لاسماء الله الّتى هى وجوداتها الفائضة من الحقّ عليها، ولمّا كان تنزيه اسماء الله تنزيهه تعالى كان الكلّ منزّهاً لله ومنزّهاً لانفسهم للتّقرّب الى الله، ولمّا كان كلّ موجودٍ امكانىٍ زوجاً تركيبيّاً من مهيّته الامكانيّة ووجوده التّعلّقىّ الفطرىّ وبعبارةٍ اخرى لمّا كان لكلّ موجودٍ طبيعىٍّ جهة ملكيّة وجهة ملكوتيّة كان الاشياء الطّبيعيّة ان كانت صامتة غير شاعرة بالشّعور التّركيبىّ بملكها ناطقة بملكوتها بلسان فصيح بل افصح من اللّسان الملكىّ الانسانىّ واجلى بياناً منه شاعرة بالشّعور التّركيبىّ بل ادقّ ادراكاً من الانسان، فكان الاشياء بملكوتها مسبّحة لله بلسانٍ فصيحٍ شاعرةً باوامره ونواهيه تعالى مبادرةً الى امتثالها من غير عصيانٍ وتوانٍ، لكن لا يسمع اصواتها ولا يدرك ادراكها تلك الاصماخ والابصار الحيوانيّة بل يختصّ بسماعها وادراك ادراكها الاسماع والابصار الملكوتيّة ولذلك قال تعالى: لا تفقهون تسبيحهم على خطاب بنى نوع الانسان لعدم سمع وبصر ملكوتىٍّ لهم، وقرئ لا يفقهون بالغيبة بارجاع الضّمير الى الاناسىّ او ارجاعه الى الاشياء يعنى كلّ الاشياء يسبّحون بحمده ولكن لا يفقهون تسبيحهم بجهتهم الملكيّة المشهودة لكم بابصاركم الملكيّة لانغمارهم تحت تعيّناتهم، وعلى هذا فلا حاجة الى تأويل فى تسبيحهم كما فعل المفسّرون وقد قال المولوىّ قدّس سرّه:
جملة ذرّات عالم در نهان   با تو ميكويند روزان وشبان
ما سميعيم وبصيريم وخوشيم   با شما نامحرمان ما خامشيم
جون شما سوى جمادى ميرويد   محرم جان جمادان كى شويد
از جمادى درجهان جان رويد   غلغل اجزاى عالم بشنويد
فاش تسبيح جمادات آيدت   وسوسة تأويلها بر بايدت
جون ندارد جان تو قنديلها   بهر بينش كرده تأويلها
كه غرض تسبيح ظاهر كى بود   دعوى ديدن خيال وغىّ بود
بس جه ازتسبيح يادت ميدهد   آن دلالت همجو كفتن ميشود
ابن بود تأويل اهل اعتزال   واى آنكس كوندارد نورحال
وبهذا اللّسان كان حنين الاستن الحنّانة وتسبيح الحصا وشهادته فى يد محمّدٍ (ص) وتجاوب الجبال والطّيور لداود (ع) وغير ذلك ممّا نقل من نطق الاحجار والاشجار والحيوان والطّيور، وبهذا اللّسان كان نطق الاطفال لكن فى قالب اللّسان اللّحمىّ وبهذا الشّعور كان تمييز الجمادات بين الاشياء كتمييز النّار بين ابراهيم (ع) ونمرود واصحابه، وتمييز الرّيح بين المؤمنين والكافرين وتمييز النّيل بين السّبطىّ والقبطىّ فى صيروته دماً للقبطىّ ومنفرجاً لعبور السّبطىّ دون القبطى { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } تعليل لعدم تفقّههم تسبيح الاشياء فانّ تفقه تسبيحها ما لم يبلغ الانسان مبلغ الرّجال امّا ان يهلك او يجعل المتفقّه مجنوناً جنوناً حيوانيّاً فانّ تفقه التّسبيح قرين شهود الملائكة ونزولها وبنزول الملائكة قضاء اجلهم كما فى القرآن والمعنى لا تفقهون تسبيحهم فتهلكوا او تجنّوا لانّه كان حليماً لا يعاجل بامضاء سخطه لسوء صنيعكم غفوراً يستر عليكم فى حال نقصكم شهود تسبيح الاشياء ابقاءً عليكم.