الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }

{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ } تكويناً كما امر تكيلفاً او امر تكويناً وتكليفاً على استعمال اقضاء بمعنى ايصال الامر الى المأمور سواء كان بنحو التّكوين او التّكليف لكن فى امره التّكوينىّ لا يقع التّخلّف وفى امره التّكليفىّ قد يقع التّخلّف او ثبت فى عالم قضائه { أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ } ان مصدريّة ولا نافية او ناهيّة او مفسّرة ولا ناهية والمعنى قضى ربّك ان لا يقع منكم عبادة تكويناً الاّ له او ان لا يقع ولا يصحّ تكويناً واختياراً او لا يصحّ اختياراً وتكليفاً منكم عبادة الاله.

بيان انحصار العبادة فى الله

اعلم، انّ الله تعالى منزّه عن المثل والثّانى ولكن له المثل الاعلى والانسان مثل اعلى له تعالى، فمثل الحقّ تعالى فى العالم الكبير باملاكه وافلاكه وارضه ومواليده مثل النّفس الانسانيّة فى العالم الصّغير بقواها العالية والدّانية وارواحها الحيوانيّة السّماويّة واعضائها الارضيّة وصورها الّذهنيّة، فشأن الصّور الذهنيّة بالنّسبة الى النّفس شأن الملائكة المقرّبين الّذين لا شأن لهم الاّ التّعلّق الصّرف ولا انانيّة لهم ولا استقلال بوجهٍ من الوجوه وشأن القوى المدركة والمحرّكة شأن النّفوس وعالم المثال، وشأن الاعضاء شأن عالم الطّبع، وكما انّه ليس للصّور الّذهنيّة شأنٌ الاّ الانقياد الصّرف والعبوديّة المحضة كذلك ليس للملائكة الاّ الانقياد والعبوديّة، وكما انّ الاعضاء اذا كانت سليمة غير مؤفةٍ شأنها الانقياد للنّفس والعبوديّة لها كذلك عالم الطّبع بشراشره اذا كان سليماً شأنه الانقياد والعبوديّة، وكما انّ الاعضاء اذ طرأ عليها الآفة قد تخرج عن انقياد النّفس كذلك اجزاء العالم اذا كانت مؤفة بآفة اضلال الشّيطان او بآفة العجب والغرور كما فى افراد الانسان والشّياطين والجنّ قد تخرج عن انقياد الله وطاعته، وكما انّ الاعضاء المؤفة الخارجة عن طاعة النّفس والمنقادة للطّبع بحكم الآفة غير خارجة عن انقياد النّفس مطلقاً كذلك اجزاء العالم المؤفة الخارجة عن طاعة الله ودخلت فى طاعة الشّيطان وعبدت بحكومته سائر اجزاء العالم من الملائكة والسّماويّات والارضيّات والشّياطين والجنّ اختياراً كما انّها عبدت الشّيطان اوّلاً من حيث لا تشعر لم تكن خارجة عن طاعة الله تكويناً، ولمّا كان اجزاء العالم مظاهر لله الواحد الاحد القهّار بحسب اسمائه اللّطفيّة والقهريّة كان عبادة الانسان لاىّ معبودٍ كانت عبادة لله اختياراً ايضاً بخلاف طبائع الاناسىّ فانّها ليست مظاهر للنّفس الاّ بوجهٍ بعيدٍ لا يعلمه الاّ الرّاسخون، ولذلك لم تكن الاعضاء المؤفة فى حكم الآفة منقادة للنّفس عابدة لها مطلقاً فالانسان فى عبادتها اختياراً للشّيطان كالابليسيّة وللجن كالكهنة وتابعى الجنّ وللعناصر كالزّردشيّته وعابدى الماء والهواء والارض وللمواليد كالوثنيّة وعابدى الاحجار والاشجار والنّباتات كالسّامريّة وبعض الهنود الّذين يعبدون سائر الحيوانات، وكالجمشيديّة والفرعونيّة الّذين يعبدون الانسان ويقرّون بآلهته وللكواكب كالصّابئة وللملائكة كاكثر الهنود وللّذكر والفرج كبعض الهنود القائلين بعبادة ذكر الانسان وفرجه، وكالبعض الآخر القائلين بعبادة ذكر مَهاديوْ ملكاً عظيماً من الملائكة وفرج امرأته كلّهم عابدون لله من حيث لا يشعرون، لانّ كلّ المعبودات مظاهر له باختلاف اسمائه ولذلك قيل:

السابقالتالي
2