الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

{ وَجَعَلْنَا ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ } اى نيرّى اللّيل والنّهار وهما الشّمس والقمر او ذوى آيتين ويؤيّد هذين التّقديرين قوله ليعلموا عدد السّنين فانّه يعلم عدد السّنين والحساب باختلاف القمر فى الاحوال، او جعلنا نفس اللّيل والنّهار آيتين ويكون المحو عبارةً عن نقصان النّور، وتأديته بهذه العبارة ليذهب السّامع بحسب الاحتمال كلّ مذهبٍ ممكنٍ، وهذا من سعة وجوه القرآن وليمكن تطبيق الآية على جميع مراتب اللّيل والنذهار كما مرّ مراراً ليسا مختصّين بالشّهودين المحسوسين بل يجريان فى جميع مراتب الوجود فانّ الملكوت السّفلى بالنّسبة الى الملك انقص نوراً وان كانت مجرّدة تجرّداً برزخيّاً فهى ليل بالنّسبة اليه، والملك بالنّسبة الى الملكوت العليا ليلٌ والملكوت العليا لاحتجابها بحجاب التّقدّر بالنّسبة الى النّفوس ليلٌ، والنّفوس لاحتاجابها بالتّعلّق التّدبيرىّ بالنّسبة الى الجبروت ليلٌ، وكلّ ذلك بجهته الامكانيّة ليل بالنّسبة الى جهته الالهيّة وهكذا الامر فى العالم الصّغير باضافة احواله من القبض والبسط والسّقم والصّحة والفقر والسّعة والخوف والامن، والمعنى جعلنا اللّيل والنّهار فى كلٍّ من مراتبهما آيتين { فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلْلَّيْلِ } اى نقصنا نور آيةٍ هى اللّيل او آيةٍ مضافة الى اللّيل وهى القمر { وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً } اى آية هى النّهار او آية مضافة الى النّهار ومبصرة من المجاز العقلىّ او من ابصره اذا جعله ذا ابصار، او من ابصر اذا اضاء او من أبصر اذا صار اهله بُصَراء { لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } غاية لابصار آية النّهار تقديم آية اللّيل لتقدّمها طبعاً فى سلسلة الصّعود وفى انظار ذوى الآية وهم البشر، وتقديم غاية النّهار لشرافتها ولانّ غاية اللّيل غاية لهما { وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } بسبب اختلاف القمر بالنّسبة الى اوضاعه مع الشّمس هلالاً وبدراً ومحاقاً { وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً } يعنى ليس انتظام اللّيل والنّهار والشّمس والقمر فقط لانتفاعكم بل كلّ شيءٍ فى العالم من المادّيّات الارضيّات والسّماويّات والمجرّدات المتقدّرات والمتعلّقات وغير المتعلّقات نظمناه نظماً انيقاً يعجز عن ادراك دقائق حكمه ومصالحة عقول البشر، والتّفصيل كما يستعمل فى التّمييز والتّبيين يستعمل فى التّنظيم الانيق فانّه نحو تبيينٍ لدقائق الحكم وتمييز لكلّ من الدّقائق عن الآخر.