الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ }

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً } بعض ليلٍ { مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَى } الّذى فى بيت القدّس او الى المسجد الاقصى الّذى هو فى السّماء الرّابعة المسمّى بالبيت المعمور الّذى المسجد الاقصى مظهره وهو ملكوته كما انّ المسجد الحرام او مظهره وهو ملكوته، والسُّرى والاسراء بمعنىً وهو السّير باللّيل فذكر اللّيل بعده مبنىّ على التّجريد، او التّأكيد، وتعديته بالباء فقط وليس من قبيل الجمع بين التّعدية بالباء والهمزة { ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } فانّ حول بيت المقدّس الشّام ومصر وكلاهما ممتازان عن سائر البلاد بكثرة النّعم من كلّ جنس، والبيت المعمور الّذى هو فى السّماء الرّابعة معلوم كثرة بركات ما حوله.

تحقيق المعراج الجسمانىّ

اعلم، انّ الآية اشارة الى معراج الرّسول (ص) وقد اختلف الاخبار فى كيفيّته وسيره (ص) وما رآه مع اتّفاقها على وقوعه وانّه من معجزاته (ص) وقد اختلف فى انّه ببدنه الطّبيعىّ ام ببدنه المثالىّ ام بروحه، وانكرت الفلاسفة كونه بالبدن الجسمانىّ الطّبيعىّ لامتناع دخول الجسم الملكىّ فى الاجسام الملكوتيّة وللزوم الخرق والالتيام فى السّماوات وهو محال، وقالت المتشرّعة اقتفاءً لظاهر الاخبار انّه كان ببدنه الطّبيعىّ من غير تبيينٍ لوجه صحّته مع قوّة برهان الفلاسفة على امتناعه وسنحقّقه ان شاء الله تعالى، واورد انّه كما روى كان فى اقصر زمانٍ حيث كان حرارة مضجعه باقيةً ولم يسكن حركة حلقة الباب ولم يتمّ انصباب ماء الابريق الّذى سقط حين عروجه بعد رجوعه وكان ما قصّ علينا ممّا رآه فى معراجه ووقع منه من الصّلوات والمخاطبات لا يمكن وقوعه الاّ فى زمانٍ طويلٍ فلا يمكن التّوفيق وأشكل بانّه (ص) حين بلغ الى مقام القرب خاطبه علىّ (ع) ومدّ علىّ (ع) يده من وراء الحجاب وشاركه فى الغذاء وسدّ الطّريق علىّ (ع) حين سيره (ص) وكلّ ذلك يدلّ على كون علىٍّ (ع) اكمل منه (ص) مع انّه كان تابعاً له (ص) والتّابع لا يكون اكمل من المتبوع.

وتحقيق ذلك بحيث لا يبقى ريب فى وقوعه ببدنه الطّبيعىّ ولا اشكال ممّا ذكر يستدعى تمهيد مقدّمةٍ فنقول: العالم ليس منحصراً فى هذا العالم المحسوس المعبّر عنه بعالم الطّبع بسماواته وارضيه بل فوقه البرزخ وهو عالم بين عالم الطّبع وعالم المثال وله الحكومة على عالم الطّبع والتّصرّف فيه اىّ تصرّفٍ شاء من الاحياء والاماتة وايجاد المعدوم واعدام الموجود وستر المحسوس واظهار غير المحسوس بصورة المحسوس ومنه طىّ الارض والسّير على الماء والهواء والدّخول فى النّار سالماً وقلب الماهيّات، ومنه طىّ الزّمان كما ورد فى الاخبار انّه قال المعصوم (ع) لمنافقٍ: اخسأ؛ فصار كلباً، وقال لآخر: انت امرأة بين الرّجال فصار امرأة، وانكر آخر قلب المهيّات عند المعصوم (ع) فصار الى نهرٍ ليغتسل فدخل الماء وارتمس فخرج فرأى نفسه امرأة على ساحل بحرٍ قرب قرية منكورةٍ فدخلت القرية وتزوّجت وعاشت مدّة وولدت لها اولاد ثمّ خرجت لتغتسل فى البحر فدخلت الماء وارتمست فخرجت على ساحل النّهر المعهود وهو رجل واذا بثيابه موضوعة كما وضعها فلبسها ودخل بيته واهله غير شاعرين بغيبته لقصر الزّمان، وامثال ذلك رويت عن التّابعين لهم على الصّدق وهذا من قبيل بسط الزّمان ان كان وقوعه فى عالم الملك، كما نقل انّ امرأة وقع لها ذلك فأخبرت وأنكرها جماعة فاوتيت باولادها بعد ذلك عن بلدة بعدية مع انّه لم تمض فى بلدها قدر ساعة، او من قبيل البسط فى الدّهر من غير تصرّفٍ فى الزّمان ان كان وقوعه فى الملكوت، وفوق البرزخ عالم المثال وله التّصرّف فى البرزخ والطّبع، وفوقه عالم النّفوس الكلّيّات المعبّر عنها بالمدبّرات امراً، وفوقه الارواح المعبّر بالصّافّات صفّاً ويعبّر عنها فى لسان الاشراقيّين بارباب الانواع وارباب الطّلمسات، وفوقها العقول المعبّر عنها بالمقرّبين وفوقها الكرسىّ وفوقها العرش وهو سرير الملك المتعال وهما بين الوجوب والامكان لا واجبان ولا ممكنان بل فوق الامكان وتحت الوجوب؛ وكلّ من تلك العوالم له الاحاطة والتّصرّف والحكومة على جميع ما دونه فاذا غلب واحد من تلك العوالم على ما دونه صار ما دونه بحكمه وذهب عنه حكم نفسه.

السابقالتالي
2 3