الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ }

{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ } ظلمات الكفر، ولمّا كان الكفر ذا ظلماتٍ كثيرةٍ متباينةٍ بحسب ما تنتزع الظّلمات منه جمع الظّلمات معرّفةً باللاّم، بخلاف النّور فانّه حقيقة واحدة به وحدة المتكثّرات ولذا افرده فقال { إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ } فى اخراجك حتّى يصير طاعتهم لك طاعة لله ولا يكون شركاً بالله او فى خروجهم حتّى يكون اخراجك موافقاً لاذن الله ومسبّباً عنه { إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } بدل من قوله الى النّور.

اعلم، انّ الانسان فى اوّل خلقته طبع محض وله قوّة واستعداد بصيرورته نباتاً، ثمّ يصير نباتاً بالفعل وحيواناً بالقوّة، ثمّ يصير حيواناً بالفعل وانساناً بالقوّة، وما زال يشتدّ تلك القوّة الى اوان التّميز الانسانىّ واستعداد ادراك الكلّيّات البديهيّة الّتى لا يدركها سائر الحيوان، وحينئذٍ يحصل له انسانيّة ما بالفعل بحيث يصحّ اطلاق اسم الانسان عليه، وما زال يشتدّ ويتقوّى الى اوان البلوغ والرّشد وتعلّق التّكليف به وحينئذٍ يصير انساناً ممتازاً عن الحيوان نحو امتيازٍ اقوى من امتيازه السّابق، لانّه حينئذٍ يدرك الخير والشّرّ الانسانيّين وطريق تحصيل الخير ودفع الشّرّ، لكنّه لمّا لم يخرج بعد من تحت حكومة النّفس والنّفس لا ترى خيراً الاّ ما يلائم قواها الشّهويّة والغضبيّة والشّيطانيّة ولا شرّاً الاّ ما يضادّ تلك القوى، فهو وقع فى ظلمة الطّبع والشّهوة والغضب والشّيطنة ومن كلٍّ ينشأ ظلمات بعضها فوق بعضٍ؛ فان ساعده التّوفيق ودخل تحت حكومة نبىٍّ بالبيعة العامّة او ولىٍّ بالبيعة الخاصّة ينجيه ذلك النّبىّ او الولىّ من حكومة النّفس ويخرجه تدريجاً من ظلماته، وان لم يدخل تحت حكومة خلفاء الله يبقى فى تلك الظّلمات ابد الآباد، اعاذنا الله منها. فارسال الرّسل وانزال الوحى والاحكام عليهم ليس الاّ لاخراج العباد بالتّدريج من ظلماتهم التّى كانوا فيها الى نور القلب ومن جهنّام انفسهم الّتى هى سنخ جهنّم الآخرة الى ذروة القلب الّذى هو سنخ جنان الآخرة، والاذن فى الاخراج عبارة عن امره تعالى للرّسل (ع) بتبليغ الاحكام، والاذن فى الخروج عبارة عن استعداد الخلق للسّلوك والخروج من هذه الجهنّام الى تلك الجنان وعن امره التّكوينىّ والتّكليفىّ على السنة الخلفاء بالخروج، ولمّا كان القلب صراطاً الى العقل والعقل صراطاً الى الحقّ العزيز ابدل من قوله الى النّور قوله الى صراط العزيز الحميد.