الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

{ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ } متلاصقات مختلفات فى الاثر والزّرع { وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ } نخلات من اصل واحد { وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ } فى الثّمر والحبوب من حيث المقدار والشّكل واللّون والطّعم { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ } دالّة على علمه وقدرته وكمال حكمته وعلى انّ الاناسىّ وان كانوا من اصلٍ واحدٍ قد يختلفون فى الآثار والاعمال والاخلاق { لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَإِن تَعْجَبْ } يا محمّد (ص) من انكارهم المعاد مع ظهور دلائله، او ان تعجب ايّها المنكر للمعاد والاحياء بعد الاماتة، او الخطاب عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب { فَعَجَبٌ } تعجّبهم عن الاعادة و { قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ }

اعلم، انّ الانسان كالعالم الكبير ذو مراتب كثيرة بعضها بالامكان وبعضها بالفعل فمرتبة منه البدن الجسمانىّ، ومرتبة منه النّفس النّباتيّة، ومرتبة منه النّفس الحيوانيّة، ومرتبة منه النّفس الانسانيّة، ومرتبة القلب، ومرتبة الرّوح، وهكذا الى ما لا خبر عنه ولا اسم ولا رسم واكثر النّاس لمّا لم يتجاوزوا المدارك الحيوانيّة ولم يشاهدوا بالشّعور التّركيبىّ المراتب المجرّدة من الانسان بل حصروه فيما شاهدوا منه من مرتبته الجسمانيّة وفعليّته الطّبيعيّة وشاهدوا انّ الموت يفنى تلك المرتبة ويفسدها، ولم يعلموا انّ انسانيّة البدن انّما كانت عرضيّة بعرض تعلّق النّفس الانسانيّة به وانّه حجاب للانسانيّة مانع عن ظهورها وفعليّتها ولولاه لانجلت كمال الانجلاء قالوا متعجّبين: ائذا متناَ! بنسبة الموت الى انفسهم باعتبار موت البدن وكنّا تراباً! بنسبة التّرابية والفساد الى انفسهم بترابيّة البدن وفساده ائنّا لفى خلقٍ جديدٍ؟! ولو انّهم علموا انّ البدن مرتبة نازلة من الانسان بل حجاب وقيد له وانّ الانسان حقيقة مجرّدة منزّهة عن الفساد باقية دائمة لما قالوا ذلك { أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ } وقدرته وسعته ونعمته البالغة فى حقّ الانسان وتوسعته وبسطه بحسب مراتب العالم { وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ } النّاشئة من الطّبع والنّفس الحيوانيّة { فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ } فلا يقدرون على ان يرفعوا رؤسهم فيشاهدوا مقامات الانسان فيعلموا انّ فساد البدن لا يفنيه بل يقويّه { وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ } بالعذاب والعقوبة { قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } يعنى دون الحسنة فانّه يستعمل تلك الكلمة فى هذا المعنى كثيراً { وَقَدْ خَلَتْ } والحال انّه قد مضت { مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ } جمع المثلة بفتح الميم وضمّ الثاء وفتحها بمعنى العقوبة من مثل بفلان نكّل والمعنى قد مضت العقوبات على الامم الماضية الّذين صاروا امثالاً فى الاشتهار و لا يعتبرون بها لغاية حمقهم وجهلهم، وقرئ المثلات بفتح الميم وضمّ الثّاء او سكونها، وبضمّ الميم وضمّ الثّاء او سكونها، وبفتح الميم والثّاء، ونسب الى امير المؤمنين وامام المتّقين (ع) انّه قال: احذروا ما نزل بالامم من قبلكم من المثلات بسوء الافعال وذميم الاعمال فتذكّروا فى الخير والشّرّ احوالهم واحذروا ان تكونوا امثالهم { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ } فلذا لا يجيبهم عن استعجالهم بالعذاب { وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } اذا اخذ العباد.