الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَآءً } قد مضى انّ ما سوى الله من الملئكة باصنافهم والطّبائع ومواليدها والاناسىّ وصنائعهم كلّها اسماء لله تعالى وانّ الاسم لا حكم له ولا نظر اليه وانّ النّظر الى الاسم والحكم عليه لا يتصوّر الا اذا جعل مسمّى وثانياً للمسمّى وانّه شرك بالله، وانّ النّاقصين لمّا لم يمكن خروجهم من حدّ الاشراك فى الوجود اذن الله لبعض الاسماء ان يجعلوها مسمّين منظوراً اليهم كالانبياء واوصيائهم (ع) وانزل الله لهم سلطاناً على جواز جعلهم مسمّين من دلائل صدق دعويهم ولذا قال: ما تعبدون من دونه الاّ اسماء لا مسمّين { سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ } على مقتضى بشريّتكم النّاقصة وقد مضى فى سورة الاعراف فى نظير الآية وفى سورة البقرة فى بيان قوله تعالى:وَعَلَّمَ آدَمَ ٱلأَسْمَآءَ } [البقرة: 31] وفى بيان بسم الله الرّحمن الرّحيم من سورة الفاتحة تحقيق تامّ للاسم وكيفيّة اسميّته ومسمّويّته { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } لفظة الباء تحتمل السّبيّة والمصاحبة والظّرفيّة، والمراد بالسّلطان امّا الحجّة من المعجزات الدّالّة على جواز طاعتها وعبادتها او السّلطنة والتّصرّف فى الاشياء وكلتاهما كانتا للانبياء واوصيائهم (ع) فانّهم وان كانوا اسماءً لكن انزل الله معهم حجّة دالّة على جعلهم مسمّين ومنظوراً اليهم وانزل معهم سلطنة وتصرّفاً مصحّحة لطاعتهم وربوبيّتهم كما لا يخفى { إِنِ ٱلْحُكْمُ } فى العالم او فى حقّ العباد { إِلاَّ للَّهِ } فلا حكم ولا سلطنة فى شيءٍ لاربابكم { أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ } ان مصدريّة او تفسيريّة والفعل نهى او نفى { إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ } التّوحيد من توحيد الله فى الوجود المستفاد من حصر المعبودات من دونه مع انّها اشرف الموجودات فى نظرهم فى الاسميّة والاسم لا استقلال له فى الوجود كالمعنى الحرفىّ الغير المستقلّ فى لحاظ الذّهن وتوحيده فى الآلهة والسّلطنة المستفاد من قوله ان الحكم الاّ لله وتوحيده فى استحقاق العبادة المستفاد من قوله امر ان لا تبعدوا الاّ ايّاه، وقد ذكر التّوحيدات الثّلاثة مترتّبة بحسب ترتّبها فى نفس الامر فانّ توحيد الوجود يستعقب توحيد الآلهة وهو يستعقب توحيد العبادة { ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } الّذى لا عوج فيه وكلّ ما كان غيره فهو معوجّ لا ينبغى ان يتّبع فانّه مفهوم الحصر المستفاد من تعريف المسند { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } استدراك لما يتوهّم من انّه لا وجه للاشراك بعد الوضوح التّوحيد وبطلان الشّرك هذا الوضوح فما بال المشركين يشركون؟! ولعلّه كان لهم دليل وحجّة فاستدرك وقال: لا حجّة لهم ولكنّهم ليس لهم علم وانّهم ساقطون فى دار الجهل كالبهائم الّتى لا تستشعر بالبرهان وان كان اوضح ما يكون، والتّقييد بالاكثر لانّ بعضهم يتفطّنون بالحجّة ويتّبعونها ويختارون التّوحيد وبعضهم يتفطّنون بها ويختارون الدّنيا ويعاندون الحقّ عن علمٍ، ولقد اجاد (ع) فى الدّعوة بالموعظة الحسنة اوّلاً والحكمة اليقينيّة البرهانيّة ثانياً، فانّه لمّا رأى وثوقهما به واقرارهما بحسن سريرته وعلمهما بكونه عالماً بتعبير الرّؤيا ادّعى ذلك العلم اوّلاً بقوله { لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ } وثانياً بقوله ذلكما ممّا علّمنى ربّى واسند ذلك الى تعليم الله رفعاً لوصم الكهانة والتّعلّم من البشر والجنّة والشّياطين، ثمّ علّل ذلك العلم الّذى رأى اقرارهما به بترك ملّتهما تنفيراً لهما عنها ثمّ ورّى عنهما بذكر قومٍ منكر موصوفٍ بعدم الايمان بالله تعريضاً بها ليكون ابعد عن الشّغب واقرب الى القبول وباتّباع ملّة المعروفين بالصّلاح والسّداد مع انتسابه الصّورىّ اليهم وبنفى الاشراك عنهم تعريضاً بها وبتسميته ذلك فضلاً من الله عليه وعلى النّاس، وصرّح بعدم معرفة النّاس لقدر تلك النّعمة وعدم شكرهم لها تعريضاً بهما، ثمّ لمّا رأى تأثّرهما بوعظه أعرض عن الخطابة وأقبل على الحكمة والبرهان بقوله ءارباب متفرّقون ووصف الارباب بالكثرة والتّفرّق الدّالّ على عدم انقياد بعضهم لبعض الّذى هو سبب النّزاع والفساد الواضح اشارة الى علّة انكار ربوبيّتهم ثمّ وصف الله بالوحدة اشارة الى جواز ربوبيّته ثمّ بالقهر اشارة الى وجوب طاعته فأبطل ربوبيّة الاصنام وأثبت لزوم طاعة الله بالبرهان ثمّ اقبل على تزييف معبوداتهم وعدم استقلالها فى الوجود فضلاً عن الرّبوبيّة واستحقاق العباد وعلى التّصريح بتوحيد الله فى الآلهة والسّلطنة وتوحيده فى العبادة بعد التّلويح فى الوجود، قيل: آمن بالله تعالى بدعوته المذكورة الصّاحبان السّائلان منه تأويل رؤياهما وجمع آخر من المسجونين والسّجّانين.