الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ إِنَّهُ رَبِّيۤ أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ }

{ وَرَاوَدَتْهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } راود ذهب وجاء لطلب شيءٍ ولتضمين معنى الطّلب والسّؤال عدّاه بعن والمقصود تشبيه ملاطفاتها له وفتح ابواب الرّغبة عليه، وانّه كلّما سدّ باباً من ابواب ترغيبها فتحت باباً آخر بالمراودة الصّوريّة، والتّعليق على الموصول للاشعار بكمال قوّتها فى المراودة وعدم عذرٍ له من جهة الاسباب الصّوريّة وارتفاع حجاب الحياء بكثرة المعاشرة ولذلك عقّبه بقوله { وَغَلَّقَتِ ٱلأَبْوَابَ } حتّى يكون تعفّفه فى تلك الحال دالاً على كمال قوّته الآلهيّة وتسلّطه على قواه النّفسانيّة، والتّضعيف للتّكثير فانّ الابواب كما نقل كانت سبعةً وكانا فى البيت السّابع. وقد ذكر فى التّواريخ انّها كانت تعشق يوسف (ع) وهو فى بيتها سبع سنين وكانت تكتم عشقها ولا يعلمه الاّ الله وما اظهرتها على يوسف (ع) ايضاً حتّى ذاب جسمها واصفّر لونها واغورّت عيناها وكانت لها امرأة مربّية كانت صاحبة اسرارها، فسألتها عن حالها فأظهرت حال عشقها وانّ يوسف (ع) لا يلتفت اليها ولا ينظر اليها كلّما تزيّنت له، فأشارت اليها ان تبنى قباباً متزيّنة بأنواع الجواهر وان تنقش فى جوانب كلّ قبّة صورتها وصورة حبيبها متعانقة وتجعل مسكن يوسف (ع) فيها وتظهر عشقها له لعلّه يرغب فيها بعد مشاهدة الصّور المنقوشة المرغّبة؛ ففعلت وأدخلت يوسف (ع) فى القبّة السّابعة وغلّقت الابواب لئلاّ يبقى له عذر فى عدم المخالطة معها. وقيل: انّها بنت قبّة نصبت فى سقفها وجميع جدرانها المرائى بحيث اذا أدخلت يوسف (ع) فيها لا تنظر الى شيءٍ الاّ تشاهد صورة يوسف (ع) ولا ينظر يوسف (ع) الى طرفٍ الاّ يرى صورتها، وذلك انّها كلّما الحّت ودبّرت ان ينظر يوسف (ع) الى صورتها لعلّه يرغب فيها كان لا ينظر اليها فدبّرت ذلك لعلّه يرى صورتها ويرغب فيها وايضاً لغاية محبّتها كانت لا تريد النّظر الاّ الى جمال يوسف (ع) { وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } اسم فعل بمعنى أقبل او بمعنى تهيّئت واللاّم لتبيين الفاعل او المفعول وقرئ هيت بضمّ التّاء وهيت بكسرها مثل حيث وجير، وقرئ هيت بكسر الهاء وفتح التّاء، وهئت مثل جئت بضمّ التّاء فعل ماض بمعنى تهيّئت { قَالَ } فى جوابها اعتذاراً من عدم اجابتها مستعيذاً بالله خوفاً من ان يفتتن بصحبتها { مَعَاذَ ٱللَّهِ } عذت بالله معاذاً ولمّا كان فى الاستعاذة اشعار بعدم الاجابة علّله بقوله { إِنَّهُ رَبِّيۤ } انّ العزيز سيّدى اشترانى بثمنٍ غالٍ لا يليق بى الخيانة بأهله وحريمه، او انّ الله ربّى ربّانى من اوّل استقرار نطفتى ومادّة بدنى فى رحم امّى فلا ينبغى مخالفته فيما نهى عنه { أَحْسَنَ مَثْوَايَ } اظهر وصفاً آخر مقتضياً لقبح الخيانة، ونسبة الاحسان الى المثوى كناية عن اكثار الانعام ووفور الاحسان، ومن أساء الى المحسن فهو ظالم والظّالم لا ينجو من العذاب الاليم { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ } ذكر فى الاعتذار ثلاثة اشياء: الرّبوبيّة وكثرة الاحسان وكون الخيانة ظلماً خصوصاً مع المنعم مع عدم فلاح الظّالم تعريضاً بنصحها وردعها عمّا أرادات.

السابقالتالي
2 3 4 5 6