الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } * { ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } * { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } * { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } نزلت السّورة حين سأل المشركون رسول الله (ص) فقالوا: انسب لنا ربّك، او حين أتى رجلان منهم فقالا ذلك، او حين جاء اناس من احبار اليهود فسألوه ذلك، او حين انطلق عبد الله بن سلام اليه فسأل ذلك وقد نقل كلّ ذلك فى نزوله، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل وتحريك التّنوين بالكسر، وقرئ احد الله الصّمد بالوصل واسقاط التّنوين تشبيهاً للتّنوين بحرف اللّين، وقرئ بالوقف باسقاط التّنوين، وقرئ كفواً مضمومة الفاء وبالواو وقرئ كفؤاً ساكنة الفاء مهموزة، وقرئ كَفواً مضمومة الفاء مهموزة.

واعلم، انّ الانبياء (ع) لهم حالات بالنّسبة الى الله والى عالم الغيب وتختلف مناجاتهم لله ومخاطبات الله لهم ومخاطباتهم للخلق بحسب اختلاف احوالهم، فانّه اذا انسلخ النّبىّ (ص) من جميع ما له من نسبة الافعال والاوصاف والذّات ولم يبق فى وجوده الاّ فاعليّة الله تعالى يكون مخاطبات الله له بلسانه الّذى صار لسان الله فيصير كلام الله كلاماً الهيّاً بشريّاً ويسمّى حديثاً قدسيّاً، واذا تنزّل عن ذلك المقام باقياً ببقاء الله متوجّهاً الى كثرات وجوده وهذا التّوجّه والالتفات يسمّى بالنّبوّة او خلافة النّبوّة، او متوجّهاً الى كثرات العالم وهذا التّوجّه يسمّى بالرّسالة او خلافة الرّسالة، فكلّما تلقّى من الله بطريق القذف والالهام وكلّما شاهد فى عالم المثال فى هذه الحال او قبل النّزول الى ذلك المقام وكلّما وجد انموذجة من مدركاته وكلّما القى اليه الملك من العلم والحكم لا بنحو الوساطة من الله كان حديثاً نبويّاً، واذا تنزّل الى مقام البشريّة فكلّما تكلّم به من حيث تدبير الحياة الدّنيويّة من غير اظهار لحاظ الجهة الالهيّة يكون كلاماً بشريّاً، واذا كان خطاب الله فى تلك الاحوال بتوسّط الملك المرسل من الله لتبليغ خطابه كان كلاماً الهيّاً وكتاباً سماويّاً، فان كان النّبىّ (ص) فى مقام الانسلاخ كان الخطاب من مقام الغيب واحديّة الذّات، وان كان فى مقام النّبوّة والرّسالة كان الخطاب من مقام الظّهور والواحديّة وهو مقام الولاية، وكان الكلام فى المقام الاوّل مشتملاً على التّنزيه ونفى النّسب والاضافات، وفى المقام الثّانى مشتملاً على الاضافات واحكام الكثرات: ولذلك سمّيت السّورة بسورة التّوحيد، وسورة الاخلاص، وسورة الولاية، لانّ المخاطب بها خوطب بها حين خلوصه من شوب الكثرات وحصول مقام الوحدة له وظهوره بشأن الولاية، وسمّيت الفاتحة بسورة النّبوّة لانّ المخاطب بها خوطب بها حين ظهوره بشأن النّبوّة فقوله تعالى: { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } خطاب من مقام الاحديّة ولذلك أتى باسمه الخالص من شوب الصّفات اوّلاً وهو لفظ هو بخلاف قوله تعالى: { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } ، و { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ } ، وامثال هذين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6