الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ }

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } ما استفهاميّة للتّعجيب اشارة الى شرافته وعظمته فى نفسه ومن حيث انتسابه الى الله والى كثرته وتوطئة لذمّ التّصرّف فيه بالاهواء وحينئذٍ فآرأيتم استفهام واستخبار مستعمل بمعنى اخبرونى كسابقه او هو بمعنى اعلمتم والاستفهام للتّعجيب او للانكار او للتّقرير وقوله الله اذن لكم يكون مستأنفاً او لفظة ما شرطيّة وقوله: فجعلتم جزاءه بتقدير قد على القول بلزوم قد فى الجزاء اذا كان ماضياً لفظاً ومعنىً ولذا دخل الفاء وأرأيتم حينئذٍ بمعنى اخبرونى او للتّعجيب او للانكار التّوبيخىّ، وعلى التّقادير فالفعل معلّق عن جملة ما انزل الله ولفظة ما موصولة مفعولاً اوّلا لرأيتم والمفعول الثّانى محذوف اى كذلك او آلله اذن لكم والفعل معلّق عنه ولفظة قل تأكيد للفظ قل الاوّل، والمراد بانزال الرّزق فى الرّزق الصّورى النّباتّى انزل اسبابه وفى الرّزق المعنوىّ الانسانىّ انزال حقيقته، فانّ رزق الانسان وهو العلوم والاخلاق الحسنة تنزل بحقائقها من سماوات الارواح ولفظ لكم للاشعار بانّ الغرض انتفاعكم ومن الانتفاع يستنبط حليّتّه { فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } بما اسّستم بجعلكم من حرمة بعض الانعام مطلقاً وحرمة بعضها على بعضٍ من افراد الانسان وحرمة شيءٍ من الحرث وغير ذلك وبما تقوّلتم من عند انفسكم من حرمة علم انتم جاهلوه لكونكم اعداءً لما تجهلون، كتحريم بعض المتشبّهين بالفقهاء ومنعه عن مثل علم الكلام والهيئة، وكمنع المتفلسفة عن الحكمة الحقيقيّة والعلوم الشّرعية ما سوى اصطلاحاتهم واقيستهم المأخوذة من اسلافهم، وكتحريم المتصوّفه ما سوى مأخوذاتهم من اقرانهم، وامّا العالم الحقيقىّ فانّه لجامعيّته لا يقول بحرمة شيءٍ من ذلك بل يقول بحلّيّة الجميع بشرط كون الأخذ على اتّباعٍ وتقليدٍ من الانبياء (ع) واوصيائهم ونوّابهم وكان الأخذ باذنٍ منهم فيقول: جملة العلوم اذا اخذت من أهلها وعلى وجهها فهى محلّلة واذا لم تؤخذ من اهلها او لا على وجهها فهى محرّمة، ويقول الحلال ما احلّه الله والحرام ما حرّمه الله والمبيّن هو النّبىّ (ص) او من كان مأذوناً منه بلا واسطةٍ او بواسطةٍ، فانّ الاذن والاجازة كما يصحّح العمل يصحّح العلم ويجعل الظّنّ قائماً مقام العلم بل اشرف منه كما مضى؛ ولذلك قال تعالى { قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ } بلا واسطةٍ او بواسطة { لَكُمْ } فى التّحليل والتّحريم باىّ نحوٍ شئتم او فى خصوص تحليل اشياء خاصّة وتحريم اشياء خاصّة والاذن اعمّ من ان يكون بتكليم الله بلا واسطةٍ او بواسطة الملك وحياً او تحديثاً او بواسطة خلفائه البشريّة { أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } فى ادّعاء الاذن فى نسبة التّحليل والتّحريم الى الله، ولمّا كان الحلال ما احلّه الله والحرام ما حرّمه الله لا غير فمن قال بالتّحليل والتّحريم باذن الله فحلاله حلال الله وحرامه حرام الله، ومن لم يقل باذن الله فتحليله وتحريمه افتراء على الله سواء ادّعى الاذن فى ذلك وقال برأيه او ادّعى نسبة ذلك الى الله وادّعى أنّه مبيّن لحكم الله او لم يدّع شيئاً من ذلك، لانّه قال فيما هو مختصّ بالله والقول فيما هو مختصّ بالله لا يكون الاّ من ادّعاء الاذن فيه او ادّعاء نسبته اليه تعالى وانّه مبيّنه فالمنفصلة حقيقيّة، فاذا كان عدم الاذن معلوماً فالافتراء محقّق ولذا عقّبه بتهديد المفترين، فمن ادّعى تبليغ الاحكام القالبيّة كما هو شأن علماء الشّريعة رضوان الله عليهم او تبليغ الاحكام القلبيّة كما هو شأن علماء الطّريقة رضوان الله عليهم ولم يكن مأذوناً من الله بواسطة خلفائه كان مفترياً ومصداقاً لقوله تعالى: ولو تقوّل علينا بعض الاقاويل لاخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين، ولذا كانت سلسلة الاجازة منضبطة متّصلة من لدن آدم (ع) الى الخاتم (ص) وبعده الى زماننا هذا بين الفقهاء رضوان الله عليهم ومشايخ الصّوفيّة.