الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } استيناف فى معرض التّعليل للبدءة والاعادة للجزاء او للتّدبير او فى معرض البيان لتدبيره تعالى، ولم يذكر منازل الشّمس ولا غاية ايجاد ومنافع سيرها لانّها كثيرة لا يحيط بها البيان ولانّ اكثرها مشهودة للعوامّ ولعدم شهرة منازل للشّمس بخلاف القمر { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } الفرق بين النّور والضّياء بالعموم والخصوص وحمل الضّياء والنّور للمبالغة او باعتبار ما يرى منهما من انّهما نوران متجوهران { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } قدّر له منازل او قدّره ذا منازل او سيّره منازل { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ } فانّ الاعوام والشّهور فى نظر العوامّ منوطة بدورات القمر دون الشّمس { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } بسبب الحقّ او بالغاية الحقّة { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } قرئ بالغيبة والتّكلّم { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } اى نفصّلها بالبيان وفى الوجود لقوم لهم صفة العلم.

اعلم، ان الانسان من اوّل استقرار نطفته فى الرّحم بل من اوّل تولّد مادّته من العناصر الى زمان بلوغه سالكٌ على الطّريقة القويمة الانسانيّة بتسبيبات آلهيّة، ومدرك لخيراته بادراك جمادىٍّ او نباتىٍّ او حيوانىٍّ لا بادراكٍ انسانىٍّ، ولا يسمّى ادراكه ذلك علماً كما لا يسمّى ارداك غير الانسان من المواليد علماً، فاذا بلغ بهذا السّلوك او ان بلوغه واستغلظ فى بدنه ونفسه وحصل له العقل الّذى هو مدرك خيراته وشروره الانسانيّة، فان كان ادراكه للاشياء بقدر مرتبته الدّانية وقوّته الضّعيفة من حيث انّها دوالّ قدرته تعالى وآيات حكمته واسباب توجّهه وسلوكه الى الحقّ القديم سمّى اداركه ذلك علماً، وان لم يكن ادراكه كذلك بل يدرك الاشياء مستقلاّت فى الوجود ولم يدركها من حيث انّها متعلّقات دالاّت على صانعها لم يسمّ علماً، بل يسمّى جهلاً مشابهاً للعلم، مثل ان يرى احد من بعيد ظلاًّ لشاخصٍ ويظنّ انّ الظّل شاخص مستقل فى الوجود، وهذا كما يجرى فى الآيات الجزئيّة الآفاقيّة والانفسيّة يجرى فى الآيات القرآنية والاخبار المعصوميّة والاحكام الشّرعيّة خصوصاً فى حقّ من جعلها وسائل للاغراض الدّنيويّة، والحاصل انّ كلّ ادراك يكون سبباً لسلوكه الفطرىّ على الطّريق الانسانىّ ولاشتداد مداركه الانسانيّة وازدياد ادراكاته الاخرويّة يسمّى علماً، وكلّ ادراك يكون سبباً لوقوفه عن السّلوك او لرجوعه عن الطّريق الى الطرق السّفلية الحيوانيّة يكون جهلاً بل الجهل السّاذج يكون افضل منه بمراتب؛ اذا تقرّر هذا فتفصيل الآيات تكويناً وتدويناً لا يكون الغرض منه الاّ ادراك من له صفة العلم لعدم انتفاع الغير به.