الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ }

{ صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } فانّ الانعام للانسان ايتائه ما يلائم انسانيّته والملايم لانسانيّته هى الولاية المخرجة له الى فعليّاته الانسانيّة، والفعليّات الانسانيّة من مراتب الولاية والآثار الصّادرة والّلازمة من فعليّاته الانسانيّة من التّوسط فى الامور المذكورة وهكذا الاعمال المعينة على الخروج المذكور انّما هى نعمة باعتبار اتّصالها بالنّعمة الّتى هى الولاية ولذلك ورد عن مولينا امير المؤمنين (ع) فى تفسيره انّه قال: قولوا اهدنا صراط الّذين انعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصّحة فانّهم قد يكونون كفّارا او فسّاقاً قال وهم الّذين قال الله تعالىوَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم } [النساء: 69] الى قولهوَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً } [النساء: 69]. والنّعم الصوريّة ان كانت مرتبطة بالولاية كانت نعمةً والاّ صارت نقمة اذا كانت معينة على الخروج الى الفعليّات الغير الانسانيّة وهكذا كان حال الفعليّات الانسانيّة بعد ما حصلت بالولاية يعنى اذا صارت مسخّرة للشّيطان بعد ما كانت مسخّرة للرّحمن صارت نقمة بعد ما كانت نعمةً، ولمّا كان المنعم عليهم بالولاية هم المتوسّطين بين التفريط والتقصير فى ترك الولاية والافراط المخرج عن حدّ الولاية وصراطهم كان متوسّطاً بين التّفريط والافراط فى جملة الامور وصفهم بقوله { غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ ٱلضَّآلِّينَ } فانّه قد فّسر المغضوب عليهم بالمفرّطين المقصّرين والضّالّون بالمفرطين المتجاوزين لانّ المفرّط المقصّر لمّا لم يبلغ الى الولاية لم يصر مرضيّاً اصلاً والمفرط فى امر الولاية لمّا صار بالوصول الى حدّ الولاية مرضيّاً خرج من المغضوبيّة لكنّه بتجاوزه عن حدّ الولاية ضلّ عن طريق الانسانيّة وعن طريق الرّضا فانّ المعيار للرّضا والغضب وللافراط والتفريط هو الولاية لا غير لانّها حدّ استقامة الانسان وسبب ارتضائه وقد يفّسر " المغضوب " عليهم بمن لم يبلغ فى وصفه مقام النّبىّ (ص) او الامام (ع) والضّالّ بمن وصفهما بما هو فوق ادراكه او فوق مقامهما وبهذا المعنى فّسرا باليهود والنّصارى وان كان يجوز ان يكون تفسيرهما باليهود والنّصارى باعتبار المعنى الاوّل ويجوز ان يجعل عطف الضّالّين من قبيل عطف الاوصاف المتعدّدة لذات واحدة فانّ المفرّط والمفرط كليهما مغضوب عليهما وضالاّن بمعنى انّهما فاقدان للطّريق سواء كان الفقدان بعد الوجدان او قبل الوجدان، وقد يفسّر " المغضوب عليهم " بالنّصاب لشدّة غضب الله عليهم " والضّالون " بمن لم يعرف الامام وبمن كان شاكّاً فيه.

اعلم انّ السّورة المباركة تعليم للعباد كيف يحمدون ويثنون على الله تعالى وكيف يقرؤن ويرتقون فى قراءتهم وكيف يخاطبون ويسألون فالامر بالاستعاذة فى اوّل القراءة للاشارة الى انّ الانسان واقع بين تصرّف الرّحمن والشّيطان الاّ من عصمه الله فاذا اراد القرائة او الثّناء على الله والمناجاة له ينبغى ان يستعيذ من تصرّف الشّيطان ويلتجئ الى حفظ الله وامانه حتّى لا يكمن الشّيطان خلف قلبه ولا يخلى الفاظ ثنائه ومقرؤاته من معانيها المقصودة لله ولا يدخل فيها المعانى الشّيطانيّة فيصير الحامد حامداً للشّيطان وقارياً لكتاب الشّيطان وهو يحسب انّه حامد لله وقار لكتاب الله ويكون داخلاً فى مصداق قوله تعالى

السابقالتالي
2 3