الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة/ الجنابذي (ت القرن 14 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } يعنى ينبغى للقارى ان يرتقى الى مقام الحضور ويشاهد الحقّ تعالى فى مظاهره تعالى فيرى انّه ما كان مالكاً لشيىءٍ من امواله وافعاله واوصافه وذاته وانّ الله كان هو المالك للكلّ بالاستحقاق فيقع فى مقام الالتجاء ويخاطبه بلسان حاله وقاله ولسان ذاته وجميع جنوده وقواه ويظهر عبوديّته ورقيّته له تعالى بنحو حصر العبوديّة فيه فانّ مقام الحضور يقتضى التضييق فى العبوديّة بحيث لا يبقى للحاضر مجال النّظر الى غير المعبود الم تنظر الى قوله تعالىأَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } [النساء: 97] من غير ذكر عبادة فيه فضلاً عن حصر العبادة فيه تعالى، والى قوله تعالىيٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } [العنكبوت: 56] بذكر العبادة وحصرها فيه تعالى، فانّ مقام الغيبة لا يكون فيه عبادة ولو فرض عبادة لم يكن الاّ للاسم لا لله فضلاً عن الحصر فيه تعالى، وفى مقام الحضور لا يكون غير العبادة ولا تكون العبادة الاّ لمن حضر لديه ولذلك قال تعالى فى موضع آخر { واعبدوا الله } { واعبدوا ربّكم } ويكون المقصود من اظهار العبادة والحصر فى الله تعالى تمهيداً لطّلب الاعانة منه ويقول بطريق الحصر نفعل فعل العبيد لك لا لغيرك او نصير عبيداً لك لا لغيرك { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فى دوام الحضور عندك وعدم الخروج من هذا المقام والبقاء على عبوديّتك وفى جملة الامور سوى هذا، واذا بلغ السّالك فى قراءته الى مقام الحضور عند ربّه يكون لا محالة يتجاذبه كثرات وجوده ورعايا مملكته وتتقاضى منه قضاء حاجاتها واحقاق حقوقها فيضطرّ الى الالتفات اليها والى كثرات خارجة من مملكته لاضطرار الحاجة اليها فى قضاء حقوق رعاياه ويرى انّه قلّما ينفّك فى معاملة الكثرات عن الافراط والتفريط وهما مانعان عن مقام الحضور ولذّة الوصال فيتضرّع على ربّه ويسأله الابقاء على لذّة الوصال عن الاشتغال بالاغيار ويقول { ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }.