الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } * { فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ } * { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ } * { وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }

{ (80) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } لا فرق بين الأمرين في عدم الإِفادة لهم { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ } قيل السبعون جاء في كلامهم مجرى المثل للتكثير وروت العامة أنّه صلَّى الله عليه وآله وسلم قال والله لأزيدنّ على السبعين فنزلتسَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } [المنافقون: 6] وفي لفظ آخر قال لو علمت أنّه لو زدت على السّبعين مرّة غفر لهم لفعلت.

والعياشي عن الرضا عليه السلام أنّ الله قال لمحمد صلَّى الله عليه وآله وسلم ان تستغفر لهم سبعين مرّة فلن يغفر الله لهم فاستغفِر لهم مأة مرّة ليغفر لهم فأنزل الله { سواء عليهم استغفرت لهم } الآية وقال { ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } فلم يستغفر لهم بعد ذلك ولم يقم على قبر أحد منهم.

أقول: لا يبعد استغفار النّبي صلَّى الله عليه وآله وسلم لمن يرجو إيمانه من الكفّار وانما لا يجوز استغفاره لمن يئس من إيمانه وهو قوله عزّ وجلّمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [التوبة: 113] إلى قوله تّبرأ منهم ويأتي تمام الكلام في هذا المقام عن قريب انشاء الله { ذلِكَ بِأنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ } اشارة إلى أنّ اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منّا ولا لقصور فيك بل لعدم قابليّتهم بسبب الكفر الصارف عنها { وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } المتمردين في كفرهم.

{ (81) فَرِحَ الْمُحَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ } بقعودهم عن الغزو وخلفه يقال أقام خلاف القوم أي بعدهم { وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبيلِ اللهِ } ايثاراً للدّعة والخفض على طاعة اللهِ { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ } قاله بعضهم لبعض وقد سبق قصّة الجد بن قيس في ذلك عند تفسير ومنهم من يقولُ ائذن لي وهذا تفضيح له من الله سبحانه { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرّاً } وقد أثرتموها بهذه المخالفة { لَّوْ كَانُواْ يَفْقَهُونَ } أنّ ما بهم إليها وانّها كيف هي مَا اختاروها بايثار الدعة على الطاعة.

{ (82) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً } إمّا على ظاهر الأمر وإمّا أخبار عمّا يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة يعني فيضحكون قليلاً ويبكون كثيراً أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنّه حتم واجب ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغمّ { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والتخلف.

{ (83) فَإن رَّجَعَكَ اللهُ إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } فانّ ردّك إلى المدينة وفيها طائفة من المتخلّفين يعني منافقيهم ممّن لم يتب ولم يكن له عذر صحيح في التخلف { فَاسْتـَأذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } إلى غزوة أخرى بعد تبوك { فَقُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِىَ عَدُوّاً } اخبار في معنى النهي للمبالغة { إنَّكُمْ رَضيتُم بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } تعليل له وكان اسقاطهم عن ديوان الغزاة عقوبة لهم على تخلّفهم أوّل مرّة وهي الخرجةِ إلى غزوة تبوك { فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ } أي المتخلّفين لعدم لياقتهم للجهاد كالنّساءِ والصّبيان.

السابقالتالي
2 3