الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ } * { وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } * { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

{ (123) وَكَذلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا } أي كما جعلنا في مكة والمعنى خلّيناهم وشأنهم ليمكروا ولم نكفّهم عن المكر وانّما خصّ الأكابر لأنّهم أقوى على استتباع الناس والمكر بهم { وَمَا يَمْكُرُونَ إلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ } لأنّ وباله يحيق بهِم { وَمَا يَشْعُرُونَ } ذلك.

{ (124) وَإذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ } القميّ قال الأكابر { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ } روى أنّ أبا جهل قال زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منَّا نبيّ يوحى إليه والله لا نرضى به ولا نتبعه أبداً إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ونحوه قوله عزّ وجلّبَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } [المدثر: 52] { اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } استيناف للردّ عليهم بأنّ النبوّة ليست بالنّسب والمال وانّما هي بفضائل نفسانيّة يخصّ الله بها من يشاء من عباده فيجتبي لرسالته من علم أنّه يصلح لها وهو أعلم بالمكان الذي فيه يضعها وقرئ رسالاته { سَيُصِيبُ الَّذِينَ أجْرَمُواْ صَغَارٌ } ذل وحقارة بعد كبرهم { عِنْدَ اللهِ } يوم القيامة وقيل من عند الله { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } القميّ أي يعصون الله في السِّرَ.

{ (125) فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ } يعرفه الحق ويوفقه للإِيمان { يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ } فيتّسع له ويفسح فيه مجاله وهو كناية عن جعل القلب قابلاً للحق مهيّئاً لحلوله فيه مصفّى عمّا يمنعه وينافيه.

في المجمع قد وردت الرواية الصحيحة أنّه " لمّا نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلىّ الله عليه وآله وسلم عن شرح الصّدر وما هو قال نور يقذفه الله تعالى في قلب المؤمن فينشرح صدره وينفسح قالوا فهل لذلك من امارة يعرف بها فقال نعم الإِنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والإِستعداد للموت قبل نزول الموت " { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } بحيث ينبو عن قبول الحقّ فلا يدخله الإِيمان وقرئ ضَيْقاً بالتخفيف وحَرِجاً بالكسر أي شديد الضّيق.

في المعاني عن الصادق عليه السلام في هذه الآية قال قد يكون ضيّقاً وله منفذ يسمع منه ويبصر والحَرِج هو الملتأم الذي لا منفذ له يسمع به ولا يبصر منه.

والعياشي عنه عليه السلام أنّه قال لموسى بن أسمر أتدري مَا الحرج قال قلت لا فقال بيده وضمّ أصابعه كالشّيء المصمت الذي لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء { كََأنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَآءِ } يتصعّد وقرىء بالتخفيف ويصاعد بمعنى يتصاعد مبالغة في ضيق صدره بتشبيهه بمن يزاول ما لا يقدر عليه فانّ صعود السّماءِ مثل فيما يبعد عن الإِستطاعة ويضيق عند القدرة { كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

السابقالتالي
2