الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَآئِكُمْ وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً }

{ (18) قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ } المثبطين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وهم المنافقون { وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } قرّبوا انفسكم الينا { وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً } ولا يقاتلون الاّ قليلاً.

{ (19) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } قيل بخلاء عليكم بالمعاونة او النفقة في سبيل الله او الظفر والغنيمة { فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ } في احداقهم { كَالَّذِى يُغْشَى عَلَيْهِ } كنظر المغشيّ عليه { مِنَ الْمَوْتِ } من معالجة سكرات الموت خوفاً ولواذاً بك { فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ } وحيّزت الغنايم { سَلَقُوكُمْ } ضربوكم { بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } ذربة يطلبون الغنيمة والسلق البسط والقهر باليد او باللّسان { أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا } اخلاصاً { فَاَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا } هيناً.

{ (20) يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا } اي هؤلاء لجبنهم يظنّون انّ الأحزاب لم ينهزموا وقد انهزموا { وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابَ } كرّة ثانية { يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِى الأَعْرَابِ } تمنّوا انّهم خارجون الى البدو وحاصلون بين الأعراب { يَسْئَلُونَ } كلّ قادم من جانب المدينة { عَنْ أَنْبَائِكُمْ } عمّا جرى عليكم { وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ } هذه الكرّة ولم يرجعوا الى المدينة وكان قتال { مَا قَاتَلُوا إلاَّ قَلِيلاً } رياء وخوفاً عن التعيير.

القمّي نزلت هذه الآيات في قصّة الأحزاب من قريش والعرب الذين تحزّبوا على رسول الله قال وذلك ان قريشاً تجمّعت في سنة خمس من الهجرة وساروا الى العرب وحلبوا واستفزّوهم لحرب رسول الله صلّى الله عليه وآله فوافوا في عشرة آلاف ومعهم كنانة وسليم وفزارة وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله حين اجلا بني النضير وهم بطن من اليهود من المدينة وكان رئيسهم حيّ بن اخطب وهم يهود من بني هرون على نبيّنا وآله وعليه السلام فلمّا اجلاهم من المدينة صاروا الى خيبر وخرج حيّ بن اخطب الى قريش بمكّة وقال لهم انّ محمداً قد وتركم ووترنا واجلانا من المدينة من ديارنا واموالنا واجلى بني عمّنا بني قنيقاع فسيروا في الأرض واجمعوا حلفائكم وغيرهم حتّى نسير اليهم فانّه قد بقي من قومي بيثرب سبع مأة مقاتل وهم بنو قريظة وبينهم وبين محمّد عهد وميثاق وانا احملهم على نقض العهد بينهم وبين محمّد ويكونون معنا عليهم فتأتون انتم من فوق وهم من اسفل وكان موضع بني قريظة من المدينة على قدر ميلين وهو الموضع الذي يسمّى بئر بني المطّلب فلم يزل يسير معهم حيّ بن اخطب في قبايل العرب حتّى اجتمعوا قدر عشرة آلاف من قريش وكنانة والاقرع بن حابس في قومه وعبّاس بن مرداس في بني سليم فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله فاستشار اصحابه وكانوا سبعمأة رجل فقال سلمان الفارسي (ره) يا رسول الله انّ القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة قال فما نضع قال نحفر خندقاً يكون بينك وبينهم حجاباً فيمكنك معهم المطاولة ولا يمكنهم ان يأتونا من كلّ وجه فانّا كنّا معاشر العجم في بلاد فارس اذا دهمنا دهم من عدوّنا نحفر الخنادق فتكون الحرب من مواضع معروفة فنزل جبرئيل على رسول الله فقال اشار بصواب فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله بمسحه من ناحية احد الى راتج وجعل على كلّ عشرين خطوة وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والانصار يحفرونه فحملت المساحى والمعاول وبدأ رسول الله صلّى الله عليه وآله واخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وامير المؤمنين عليه السلام ينقل التراب من الحفرة حتّى عرق رسول الله صلّى الله عليه وآله وعي وقال لا عيش الاّ عيش الآخرة اللّهمّ اغفر للانصار والمهاجرين فلمّا نظر النّاس الى رسول الله صلّى الله عليه وآله يحفر اجتهدوا في الحفر ونقلوا التراب فلمّا كان في اليوم الثاني بكروا الى الحفر وقعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في مسجد الفتح فبينا المهاجرون والانصار يحفرون اذ عرض لهم جبل لم تعمل المعاول فيه فبعثوا جابر بن عبد الله الانصاري الى رسول الله صلّى الله عليه وآله يعلمه بذلك قال جابر فجئت الى المسجد ورسول الله مستلق على قفاه ورداؤه تحت رأسه وقد شدّ على بطنه حجراً فقلت يا رسول الله انّه قد عرض لنا جبل لا تعمل المعاول فيه فقام مسرعاً حتّى جاءه ثم دعا بماء في اناء فغسل وجهه وذراعيه ومسح على رأسه ورجليه ثم شرب ومجّ من ذلك الماء في فيه ثمّ صبّه على ذلك الحجر ثمّ اخذ معولاً فضرب ضربة فبرقت برقة نظرنا فيها الى قصور الشام ثم ضرب اخرى فبرقت برقة نظرنا فيها الى قصور المدائن ثم ضرب اخرى فبرقت برقة اخرى فنظرنا فيها الى قصور اليمن فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله اما انه سيفتح الله عليكم هذه المواطن التي برقت فيها البرق ثم انهال علينا الجبل كما ينهال الرّمل فقال جابر فعلمت انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله مقوى اي جايع لما رأيت على بطنه الحجر فقلت يا رسول الله هل لك في الغذاء قال ما عندك يا جابر فقلت عناق وصاع من شعير فقال تقدّم واصلح ما عندك قال جابر فجئت الى اهلي فأمرتها فطحنت الشعير وذبحت العنز وسلختها وامرتها ان تخبز وتطبخ وتشوي فلمّا فرغت من ذلك جئت الى رسول الله صلّى الله عليه وآله فقلت بأبي انت وامّي يا رسول الله قد فرغنا فاحضر مع من اجبت فقام الى شفير الخندق ثم قال يا معاشر المهاجرين والانصار اجيبوا جابر قال جابر وكان في الخندق سبعمأة رجل فخرجوا كلّهم ثم لم يمر بأحد من المهاجرين والانصار الاّ قال اجيبوا جابر فتقدّمت فقلت لأهلي قد والله اتاك محمّد رسول الله صلّى الله عليه وآله بما لا قبل لك به فقالت اعلمته انت بما عندنا قال نعم قالت فهو اعلم بما اتى قال جابر فدخل رسول الله صلّى الله عليه وآله فنظر في القدر ثم قال اغرفي وابقي ثمّ نظر في التنّور ثم قال اخرجي وابقي ثمّ دعا بصحفة وثرد فيها وغرف فقال يا جابر ادخل عليَّ عشرة عشرة فأدخلت عشرة فأكلوا حتّى نهلوا وما يرى في القصعة الاّ اثار اصابعهم ثم قال يا جابر عليَّ بالذّراع فأتيته بالذّراع فأكلوه ثمّ قال ادخل عليّ عشرة فأدخلتهم حتّى اكلوا ونهلوا او ما يرى في القصعة الاّ آثار اصابعهم ثم قال يا جابر عليّ بالذراع فأكلوا وخرجوا ثم قال: ادخل عليّ عشرة فأدخلتهم فأكلوا حتى نهلوا وما ترى في القصعة إلاّ آثار أصابعهم ثمّ قال عليّ بالذراع فأتيته فقلت يا رسول الله كم للشّاة من الذّراع قال ذراعان فقلت والذي بعثك بالحقّ لقد اتيتك بثلاثة فقال اما لو سكتّ يا جابر اكل الناس كلّهم من الذّراع قال جابر فأقبلت ادخل عشرة عشرة فيأكلون حتّى اكلوا كلّهم وبقي والله لنا من ذلك الطعام ما عشنا به ايّاماً قال وحفر رسول الله صلّى الله عليه وآله الخندق وجعل له ثمانية ابواب وجعل على كل باب رجلاً من المهاجرين ورجلاً من الانصار مع جماعة يحفظونه وقدمت قريش وكنانة وسليم وهلال فنزلوا الزغابة ففرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله من حفر الخندق قبل قدوم قريش بثلاثة ايّام واقبلت قريش ومعهم حيّ بن اخطب فلمّا نزلوا العقيق جاء حيّ بن اخطب الى بني قريظة في جوف اللّيل وكانوا في احصنهم قد تمسّكوا بعهد رسول الله (ص) فدقّ باب الحصن فسمع كعب بن اسيد فقال لأهله هذا قرع الباب اخوك قد شأم قومه وجاء الآن يشأمنا ويهلكنا ويأمرنا نقض العهد بيننا وبين محمّد صلّى الله عليه وآله وقد وفى لنا محمّد صلّى الله عليه وآله واحسن جوارنا فنزل اليه من غرفته فقال له من انت قال حيّ بن اخطب قد جئتك بعزّ الدّهر فقال كعب بل جئتني بذلّ الدهر فقال كعب هذه قريش في قادتها وسادتها قد نزلت بالعقيق مع حلفائهم من كنانة وهذه فزارة مع قادتها وسادتها قد نزلت الزغابة وهذه سليم وغيرهم قد نزلوا حصن بني ذبيان ولا يفلت محمد واصحابه من هذا الجمع ابداً فافتح الباب وانقض العهد الذي بينك وبين محمّد الله صلّى الله عليه وآله فقال كعب لست بفاتح لك الباب ارجع من حيث جئت فقال حيّ ما يمنعك من فتح الباب الاّ حشيشتك التي في التنور مخافة ان اشركك فيها فافتح فانّك امن من ذلك فقال له كعب لعنك الله لقد دخلت عليّ من باب دقيق ثم قال افتحوا له الباب ففتح له فقال ويلك يا كعب انقض العهد الذي بينك وبين محمد صلّى الله عليه وآله ولا تردّ رأيي فانّ محمداً لا يفلت من هذا الجمع ابداً فان فاتك هذا الوقت لا تدرك مثله ابداً قال فاجتمع كلّ من كان في الحصن من رؤساء اليهود مثل غزال بن شمول وياسر بن قيس ورفاعة بن زيد والزبير ابن ياطا فقال لهم كعب ما ترون قالوا انت سيّدنا والمطاع فينا وصاحب عهدنا وعقدنا فان نقضت نقضنا معك وان اقمت اقمنا معك وان خرجت خرجنا معك فقال الزبير بن ياطا وكان شيخاً كبيراً مجرّباً وقد ذهب بصره قد قرأت التوراة التي انزلها الله تعالى في سفرنا بأنّه يبعث نبيّاً في آخر الزمان يكون مخرجه بمكّة ومهاجره في هذه البحيرة يركب الحمار العريّ ويلبس الشملة بالكسيرات يجترني والتميرات وهو الضحوك القتّال في عينيه الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوّة يضع سيفه على عاتقه لا يبالي من لاقى يبلغ سلطانه منقطع الخفّ والحافر فان كان هو هذا فلا يهولنّه هؤلاء وجمعهم ولو ناوى على هذه الجبال الرّواسي لغلبها فقال حيّ ليس هذا ذاك ذلك النبيّ صلّى الله عليه وآله من بني اسرائيل وهذا من العرب من ولد اسماعيل ولا يكونوا بنو اسرائيل اتباعاً لولد اسماعيل (ع) ابداً لانّ الله قد فضّلهم على الناس جميعاً وجعل فيهم النبوّة والملك وقد عهد الينا موسى (ع) ان لا نؤمن

السابقالتالي
2 3 4 5 6