الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ }

{ (136) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِن رَبِّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } المغفرة والجنات.

في المجالس عن الصادق عليه السلام قال لما نزلت هذه الآية صعد ابليس جبلاً فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا يا سيدنا لما دعوتنا قال نزلت هذه الآية فمن لها فقام عفريت من الشياطين فقال أنا لها بكذا وكذا قال لست لها فقام آخر فقال مثل ذلك فقال لست لها فقال الوسواس الخناس أنا لها قال بماذا قال أعدهم وامنيهم حتى يواقعوا الخطيئة فاذا واقعوا الخطيئة انسيتهم الإِستغفار فقال أنت لها فوكله بها إلى يوم القيامة.

وعن عبد الرحمن بن غنم الدوسي قال " دخل معاذ فقال يا رسول الله ان بالباب شاباً طريّ الجسد نقي اللون حسن الصورة يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها يريد الدخول عليك فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ادخل عليّ الشاب يا معاذ فأدخله عليه فسلم فرده ثم قال ما يبكيك يا شاب قال كيف لا أبكي وقد ركبت ذنوباً ان أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم ولا أراني إلاّ سيأخذني بها ولا يغفر لي أبداً فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم هل أشركت بالله شيئاً قال أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئاً قال أقتلت النفس التي حرم الله قال لا فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يغفر الله لك ذنوبك وان كانت مثل الجبال الرواسي قال الشاب فانها أعظم من الجبال الرواسي فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت مثل الأراضي السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق قال الشاب فانها أعظم من الأرضين السبع وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق فقال النبي صلّى الله عليه وآلم وسلم يغفر الله لك ذنوبك وإن كانت ذنوبك مثل السموات ونجومها ومثل العرش والكرسي قال فانها أعظم من ذلك قال فنظر النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كهيئة الغضبان ثم قال ويحك يا شاب ذنوبك أعظم أو ربك فخرج الشاب لوجه وهو يقول سبحان ربي ما من شيء أعظم من ربي ربي أعظم يا نبي الله من كل عظيم فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم قال الشاب لا والله يا رسول الله ثم سكت الشاب فقال له النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ويحك يا شاب ألا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك قال بلى أخبرك اني كنت أنبش القبور سبع سنين أخرج الأموات وانزع الأكفان فماتت جارية من بعض بنات الأنصار فلما حملت إلى قبرها ودفنت وانصرف عنها أهلها وجن عليهم الليل أتيت قبرها فنبشتها ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفاً فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ويقول أما ترى بطنها وبياضها أما ترى وركيها فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها فإذا أنا بصوت من ورائي يقول يا شاب ويل لك من ديان يوم الدين يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى ونزعتني من حفيرتي وسلبتني أكفاني وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي لشبابك من النار فما أظن أني أشم ريح الجنة أبداً يا رسول الله فما ترى لي فقال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم تنح عني يا فاسق اني أخاف أن أحترق بنارك فما أقربك من النار ثم لم يزل صلّى الله عليه وآله وسلم يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب فأتى المدينة فتزود منها ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ولبس مسحاً وغل يديه جميعاً إلى عنقه ونادى يا رب هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول يا رب أنت الذي تعرفني وزل مني ما تعلم سيدي يا رب إني أصبحت من النادمين وأتيت نبيك تائباً فطردني وزادني خوفاً فأَسألك باسمك وجلالك وعظم سلطانك أن لا تخيب رجائي سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنّطني من رحمتك فلم يزل يقول ذلك أربعين يوماً وليلة تبكي له السباع والوحوش فلما تمت له أربعون يوماً وليلة رفع يديه إلى السماء وقال اللهم ما فعلت في حاجتي ان كنت استجبت دعائي وغفرت لي خطيئتي فأوح إلى نبيك وان لم تستجب دعائي ولم تغفر لي خطيئتي وأردت عقوبتي فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني وخلصني من فضيحة يوم القيامة فأنزل الله تعالى على نبيه والذين إذا فعلوا فاحشة يعني الزنا أو ظلموا أنفسهم يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا وهو نبش القبور وأخذ الأكفان ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم يقول خافوا الله فعجلوا التوبة ومن يغفر الذنوب إلا الله يقول الله تعالى أتاك عبدي يا محمد تائباً فطردته فأين يذهب وإلى من يقصد ومن يسأل أن يغفر له ذنبه غيري، ثم قال تعالى ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون يقول لم يقيموا على الزنا ونبش القبور وأخذ الأكفان أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم خرج وهو يتلوها ويبتسم فقال لأصحابه من يدلني على هذا الشاب التائب فقال معاذ يا رسول الله بلغنا أنه في موضع كذا وكذا فمضى رسول الله بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل فصعدوا إليه يطلبون الشاب فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه قد اسود وجهه وتساقطت أشفار عينيه من البكاء وهو يقول سيدي قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي فليت شعري ماذا تريد بن أفي النار تحرقني أو في جوارك تسكنني أللهم انك قد أكثرت الإِحسان إلي فأنعمت عليّ فليت شعري ماذا يكون آخر أمري إلى الجنة تزفني أم إلى النار تسوقني أللهم ان خطيئتي أعظم من السموات والأرض ومن كرسيك الواسع وعرشك العظيم فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه وقد أحاطت به السباع وصفّت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه فدنا منه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فأطلق يديه من عنقه ونفض التراب عن رأسه وقال يا بهلول ابشر يا بهلول فانك عتيق الله من النار ثم قال صلّى الله عليه وآله وسلم لأصحابه هكذا تداركوا الذنوب كما تداركها بهلول ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه وبشره بالجنة ".