الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ } * { يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَروهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }

{ (113) لَيْسوا } يعني أهل الكتاب { سَواءً } في دينهم { مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ } على الحق وهم الذين أسلموا منهم { يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } يعني يتلونها في تهجدهم.

{ (114) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } وصفهم بصفات ليس في اليهود فانهم منحرفون عن الحق غير متعبدين بالليل مشركون بالله ملحدون في صفاته واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات { وَأُوْلئك مِنَ الصَّالِحِينَ }.

{ (115) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } فلن يضيع ولا ينقص ثوابه وقرئ بالياء فيهما سمّي ذلك كفراناً كما سمي توفية الثواب شكراً.

في العلل عن الصادق عليه السلام إن المؤمن مكفّر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس والكافر مشكور وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء { وَاللهُ عَلِيْمٌ بِالْمُتّقِينَ } بشارة لهم واشعار بأن التقوى مبدء الخير وحسن العمل.

{ (116) إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلاَدُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُونَ }.

{ (117) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيْحٍ فِيْهَا صِرٌّ } برد شديد { أصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } بالكفر والمعصية { فأَهْلَكَتْهُ } عقوبة لهم شبه ما انفقوا في ضياعه بحرث كفار ضربته برد شديد من سخط الله فأستأصلته ولم يبق لهم فيه منفعة في الدنيا ولا في الآخرة { وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ } أي المنفقين بضياع نفقاتهم { وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } لما لم ينفقوها بحيث يعتدّ بها.

{ (118) يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتّخِذُوا بِطَانَةً } وليجة وهو الذي يعرفه الرجل أسراره ثقةً به شبه ببطانة الثوب كما يشبه بالشعار { مِنْ دُونِكُمْ } من دون المسلمين { لاَ يَألُونَكُمْ خَبَالاً } لا يقصرون لكم في الفساد { وَدُّوْا مَا عَنِتُّمْ } تمنوا عنتكم وهو شدة الضرر { قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أي من كلامهم لأنهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بغضهم { وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكَبَرُ } ممّا بدا { قَدْ بَيّنَا لَكُمُ الآيَاتِ إن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }.

{ (119) هَا أَنتُمْ أَوْلاَءِ } الخاطئون في موالاة الكفار { تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ } بجنس الكتاب { كُلِّهِ } كتابكم وكتابهم وغيرهما والمعنى أنهم لا يحبونكم والحال أنكم تؤمنون بكتابهم أيضاً فما بالكم تحبونهم وهم لا يؤمنون بكتابكم وفيه توبيخ بأنهم في باطنهم أصلب منكم في حقكم { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا } نفاقاً وتغريراً { وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ } تأسّفاً وتحسّراً حيث رأوا ائتلافكم واجتماع كلمتكم ولم يجدوا إلى التشفي سبيلاً { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ } دعا عليهم بدوام الغيظ إلى أن يموتوا { إنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ } من خير أو شر فيعلم غيظهم وحنقهم وأخفى ما يخفونه وهو اما من جملة القول أو مستأنف.

{ (120) إنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ } نعمة من الفة أو ظفر على الأعداء { تَسُؤْهُمْ وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ } محنة من فرقة أو اصابة عدو منكم { يَفْرَحُوا بِهَا } بيان لتناهي عداوتهم { وَإِنْ تَصْبِرُوا } على عداوتهم { وَتَتَّقُوا } موالاتهم ومخالطتهم { لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } لما وعد الله الصابرين والمتقين بالحفظ وقرئ بكسر الضاد وجزم الراء { إنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }.