الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ } * { لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ (285) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ } شهادة وتنصيص من الله على الاعتداد بايمانه { وَالْمُؤْمِنُونَ } قيل اما عطف على الرسول وما بعده استئناف واما استئناف بافراد الرسول وافراد ايمانه تعظيماً لشأنه وشأن إيمان.

أقول: وللافراد وجه آخر يأتي في الحديث.

{ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } وقرئ وكتابه في الغيبة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم انه قال ليلة أسري بي إلى السماء قال العزيز جل ثناؤه آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه قلت والمؤمنون قال صدقت يا محمد { لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ } يقولون ذلك والمراد نفي الفرق في التصديق وقرئ لا يفرق بالياء واحد في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي ولذا دخل عليه بين { وَقَالُوا سَمِعْنَا } أجبنا { وَأَطَعْنَا } أمرك { غُفْرَانَكَ } اغفر غفرانك أو نطلب غفرانك { رَبّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } المرجع بعد الموت وهو اقرار منهم بالبعث { لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً } فيما افترض الله عليها رواه العياشي عن أحدهما عليهما السلام { إلاَّ وُسْعَهَا } الا ما يسعه قدرتها فضلاً ورحمة.

وفي التوحيد عن الصادق صلوات الله عليه ما أمر العباد الا دون سعتهم وكل شيء امر الناس بأخذه فهم متسعون له ما لا يتسعون له فهو موضوع عنهم ولكن الناس لا خير فيهم { لَهَا مَا كَسَبَتْ } من خير { وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } من شر لا ينتفع بطاعتها ولا يتضرّر بمعاصيها غيرها { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أخْطَأْنَا } أي لا تؤاخذنا بما أدى بنا إلى نسيان أو خطأ من تفريط أو من قلّة مبالاة { رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْراً } حملاً ثَقِيلاً يأصر صاحبه أي يحبسه في مكانه يعني به التكاليف الشاقة { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } يعني به ما كلّف به بنو إسرائيل من قتل الأنفس وقطع موضع النجاسة وغير ذلك { رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ } من العقوبات النّازلة بمن قبلنا { وَاعْفُ عَنّا } وامح ذنوبنا { وَاغْفِرْ لَنَا } واستر عيوبنا ولا تفضحنا بالمؤاخذة { وَارْحَمْنَا } تعطّف بنا وتفضّل علينا { أَنْتَ مَوْلاَنَا } سيّدنا ونحن عبيدك { فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } بالقهر لهم والغلبة بالحجة عليهم فان من حق المولى أن ينصر مواليه على الأعداء.

العياشي عن أحدهما عليهما السلام في آخر البقرة قال لما دعوا أُجيبوا.

والقمّي عن الصادق عليه السلام ان هذه الآية مشافهة الله لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم لما أسري به إلى السماء قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلم " لما انتهيت إلى سدرة المنتهى وإذا الورقة منها تظل أمّة من الأمم وكنت من ربي كقاب قوسين أو أدنى كما حكى الله عز وجل فناداني ربي تبارك وتعالى { آمَنَ الرسول بما أنزل إليه من ربه } فقلت أنا مجيبه عني وعن أمتي والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله فقلت سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير فقال الله لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت فقلت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا فقال الله لا اؤاخذك فقلت ربنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الذين من قبلنا فقال الله لا أحملك فقلت ربّنَا ولا تحمّلنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين فقال الله تبارك وتعالى قد أعطيت ذلك لك ولأمتك فقال الصادق عليه السلام ما وفد إلى الله تعالى أحد اكرم من رسول الله حين سأل لأمّته هذه الخصال ".


السابقالتالي
2 3