الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ (258) أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ } تعجّبت من محاجة نمرود وحماقته { أَنْ آتَاهُ اللهُ المُلْكَ } لأن أتاه قيل أي ابطره ايتاؤه الملك وحمله على المحاجة أو وضع المحاجة موضع الشكر على إيتائه الملك.

في الخصال عن البرقي مرفوعاً قال ملك الأرض كلها أربعة مؤمنان وكافران أما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين وأما الكافران فنمرود وبخت نصر.

{ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّي الَّذِي يُحْيي وَيُمِيتُ } في المجمع عن الصادق عليه السلام انه كان بعد القائه في النار { قَالَ أَنَا أُحْيي وَأُمِيتُ } بالعفو عن القتل والقتل وعنه عليه السلام ان إبراهيم قال له احيي من قتلته ان كنت صادقاً { قَالَ إِبراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ } اعرض إبراهيم عن الاعتراض على معارضته الفاسدة إلى الاحتجاج بما لا يقدر فيه نحو هذا التمويه رفعاً للمشاغبة وهو في الحقيقة عدول عن مثال خفي إلى مثال جلّي من مقدوراته التي يعجز عن الاتيان بها غيره لا عن حجة إلى أخرى { فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ } فصار مبهوتاً وعلى قراءة المعلوم فغلبه، القمّي أي انقطع وذلك انه علم ان الشمس اقدم منه { وَاللهُ لاَ يَهْدِي } بمحجّة المحاجة وسبيل النجاة وطريق الجنة { الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الذين ظلموا أنفسهم بالامتناع عن قبول الهداية.

في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام خالف إبراهيم قومه وعاب آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم.

{ (259) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ } هو أرميا النبي وقيل عزير النبي ويأتي الأخبار في ذلك { وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا } ساقطة حيطانها على سقوفها { أَنّى يُحْيِي } كيف يحيي أو متى يحيي { هَذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا } اعترافاً بالعجز عن معرفة طريق الأحياء واستعظاماً لقدرة المحيي أراد أن يعاين أحياء الموتى ليزداد بصيرة { فأَمَاتَهُ اللهُ مَائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } احياه { قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمَاً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مَائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنّهْ } لم يتغير بمرور السنين وقرئ بحذف الهاء في الوصل { وَانْظُرْ إلَى حِمَارِكَ } كيف تفرقت عظامه ونخرت وتفتت { وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّاسِ } أي وفعلنا ذلك لنجعلك آية { وَانْظُرْ إلَى الْعِظَامِ } يعني عظامك { كِيْفَ نُنْشِزُهَا } كيف نرفع بعضها على بعض للتركيب وقرئ ننشرها بالراء من انشر الله الموتى إذا احياهم وننشرها بالفتح والراء من نشر بمعنى انشر { ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً } من وهاهنا كما يأتي { فَلَمّا تَبَيَّنَ لَهُ } ما تبين { قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } وقرئ اعلم على الأمر.

القمّي عن الصادق عليه السلام قال لما عملت بنو اسرائيل بالمعاصي وعتوا عن أمر ربهم أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم فأوحى الله إلى ارميا يا ارميا ما بلد انتخبته من بيد البلدان وغرست فيه من كريم الشجر فاخلف فأنبت خروباً فأخبر ارميا اخبار بني إسرائيل فقالوا له راجع ربك ليخبرنا ما معنى هذا المثل فصام ارميا سبعاً فأوحى الله إليه يا ارميا امّا البلد فبيت المقدس وأما ما أنبت فيها فبنو اسرائيل الذين اسكنتهم فيها فعملوا بالمعاصي وغيّروا ديني وبدّلوا نعمتي كفراً فبي حلفت لامتحنهم بفتنة يظل الحكيم فيها حيراناً ولأسلّطنّ عليهم شر عبادي ولادة شرهم طعاماً فليسلطنّ عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ويسبي حريمهم ويخرب بيوتهم التي يعيرون بها ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل ماءة سنة فأخبر ارميا احبار بني اسرائيل فقالوا له راجع ربك فقل له ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء فصام ارميا ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شيء ثم صام سبعاً فلم يوح إليه شيء ثم صام سبعاً فأوحى الله إليه يا ارميا فتكفّن عن هذا أو لأردن وجهك إلى قفاك قال ثم أوحى الله إليه قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه فقال ارميا رب أعلمني من هو حتى آتيه وآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أماناً قال ائت إلى موضع كذ وكذا فأنزل إلى غلام أشدهم زماناً وأخبثهم ولادة وأضعفهم جسماً وأشرّهم غذاء فهو ذاك فأتى ارميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان زمن ملقىً على مزبلة وسط الخان وإذا لم أم تربّى بالكسر وتفتّت الكسرة في القصعة وتحلب عليه خنزيرة لها ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكل فقال ارميا ان كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا فدنا منه فقال له ما اسمك فقال بخت نصّر فعرف انه هو فعالجه حتى برئ ثم قال له تعرفني قال لا انت رجل صالح قال انا ارميا نبيّ بني إسرائيل أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم وتفعل بهم ما تفعل قال فتاه الغلام في نفسه في ذلك الوقت ثم قال ارميا اكتب لي كتاباً بأمان منك فكتب له كتاباً وكان يخرج في الليل إلى الجبل ويحتطب ويدخله المدينة ويبيعه فدعا إلى حرب بني إسرائيل وكان مسكنهم في بيت المقدس واقبل بخت نصر فيمن أجابه نحو بيت المقدس وقد اجتمع إليه بشر كثير فلما بلغ ارميا اقباله نحو بيت المقدس استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتب له بخت نصر فلم يصل إليه ارميا من كثرة جنوده وأصحابه فصيّر الأمان على خشبة ورفعها فقال من أنت فقال أنا ارميا النبي الذي بشّرتك بأنك ستسلّط على بني إسرائيل وهذا أمانك لي قال أمّا أنت فقد أمنتك وأما أهل بيتك فإني ارمي من هاهنا إلى بيت المقدس فان وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي وإن لم تصل فهم آمنون ونزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس فحملت الريح النشابة حتى علّقتها في بيت المقدس فقال لا أمان لهم عندي فلما وافى إلى جبل من تراب وسط المدينة وإذا دم يغلي وسطه كلما القى عليه التراب خرج وهو يغلي فقال ما هذا قالوا هذا نبي كان الله فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي وكلما القينا عليه التراب خرج يغلي فقال بخت نصّر لأقتلنّ بني إسرائيل ابداً حتى يسكن هذا الدم وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا وكان في زمانه ملك جبّار يزني بنساء بني إسرائيل وكان يمرّ بيحيى بن زكريا فقال له يحيى اتّق الله أيها الملك لا يحل له هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني الملك بهن حين سكر أيها الملك اقتل يحيى فأمر أن يؤتى برأسه فأُتي برأس يحيى في الطست وكان الرأس يكلّمه ويقول يا هذا اتّق الله لا يحل لك هذا ثم غلا في الطست حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلي ولا يسكن وكان بين قتل يحيى وبخت نصّر ماءة سنة ولم يزل بخت نصّر يقتلهم وكان يدخل قرية فيقتل الرجال والنساء والصبيان وكل حيوان والدم يغلي حتى أفنى من بقي منهم ثم قال أبقي أحد في هذا البلد قالوا عجوز في موضع كذا وكذا فبعث إليها فضرب عنقها على ذلك الدم فسكن وكان آخر من بقي ثم أتى بابل فبنى بها مدينة واقام وحفر بئراً فألقى فيها دانيال والقى معه اللبوة تأكل طين البئر ويشرب دانيال لبنها ولبث بذلك زماناً فأوحى الله إلى النبي الذي كان ببيت المقدس ان اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال واقرأه مني السلام قال واين هو يا رب فقال في بئر بابل في موضع كذا وكذا قال فأتاه فاطّلع في البئر فقال يا دانيال قال لبيك صوت غريب قال ان ربك يقرؤك السلام قد بعث إليك بالطعام والشراب فدلاّه إليه قال فقال دانيال الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره الحمد لله الذي لا يخيّب من دعاه الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره الحمد لله الذي يجزي بالإحسان احساناً الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة والحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا والحمد لله الذي هو ثقتنا حين ينقطع الحبل منا الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا قال فأرى بخت نصّر في نومه كأنّ رأسه من حديد ورجليه من نحاس وصدره من ذهب قال فدعا المنجّمين فقال لهم ما رأيت فقالوا ما ندري ولكن قصّ علينا ما رأيته في المنام فقال وأنا أجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ولا تدرون ما رأيت في المنام فأمر بهم فقتلوا قال فقال له بعض من كان عنده إن كان عند أحد شيء فعند صاحب الجبّ فانّ اللّبوة لم تعرض له وهي تأكل الطين وترضعه فبعث إلى دانيال فقال ما رأيت في المنام فقال رأيت كأن رأسك من كذا ورجليك من كذا وصدرك من كذا قال هكذا رأيت فما ذاك قال قد ذهب ملكك وأنت مقتول إلى ثلاثة أيام يقتلك رجل ومن ولد فارس قال فقال له ان عليّ لسبع مدائن على باب كل مدينة حرس وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة لا يدخل غريب إلا صاحت عليه حتى يؤخذ قال فقال له ان الأمر كما قلت لك قال فبثّ الخيل وقال لا تلقون أحداً من الخلق إلا قتلتموه كائناً من كان وكان دانيال جالساً عنده وقال لا تفارقني هذه الثلاثة الأيام فان مضت قتلتك فلما كان في اليوم الثالث ممسياً أخذه الغم فخرج فتلقّاه غلام كان اتخذه ابناً له من اهل فارس وهو لا يعلم أنه من أهل فارس فدفع إليه سيفه وقال له يا غلام لا تلقى أحداً من الخلق إلا قتلته وان لقيتني أنا فاقتلني فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصّر ضربة فقتله فخرج أرميا على حماره ومعه تبين قد تزوّده وشيء من عصير فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل تلك الجيف ففكّر في نفسه ساعة ثم قال انى يحيي الله هؤلاء وقد أكلتهم السباع فأماته الله مكانه وهو قول الله تعالى: { أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنّى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله ماءة عام ثم بعثه } اي أحياه فلما رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصّر ردّ بني إسرائيل إلى الدنيا وكان عزير لمّا سلّط الله بخت نصّر على بني إسرائيل هرب ودخل في عين وغاب فيها وبقي ارميا ميتاً ماءة سنة ثم أحياه الله فأوّل ما احيى الله منه عينيه في مثل غرقي البيض فنظر فأوحى الله إليه كم لبثت قال لبثت يوماً ثم نظر إلى الشمس قد ارتفعت فقال أو بعض يوم فقال الله تعالى: { بل لبثت ماءة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يَتَسَنّهْ أي لم يتغير وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ويلتزق بها حتى قام وقام حماره فقال اعلم ان الله على كل شيء قدير.

السابقالتالي
2 3 4