الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلضَّلَـٰلَةَ بِٱلْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } * { أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ (16) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى }: باعوا دين الله واعتاضُوا منه الكفر بالله { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ } مَا ربحوا في تجارتهم في الآخرة لأنّهم اشتروا النار وأصناف عذابها بالجنّة التي كانت معدّة لهم لو آمَنُوا { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إلى الحقّ والصّوَاب.

أقولُ: ولا لطرق التجارة لأنّ المقصود منها سلامة رأس المال والربح وهؤلاء أضاعوا رأس مالهم الذي هو الفطرة السليمة بما اعتقدوه من الضلالات ولم يربحوا.

{ (17) مَثَلُهُمْ } حالهم العجيبة قيل إنّما يضرب الله الأمثال للناس في كتبه لزيادة التوضيح والتقرير فإنها أوقع في القلب وأقمعُ للخصم الألدّ لأنّها ترى المتخيّل محقّقاً والمعقول محسوساً { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } طلب سطوع النار ليبصر بها ما حوله { فَلَمَا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ } قيل أي النّار ما حول المستوقد أو استضاءت الأشياء التي حوله ان جعلت اضاءت لازمةً { ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ } بارسال ريح أو مطر أطفأها وذلك أنّهم أبصروا بظاهر الإِيمان الحق والهدى وأعطوا أحكام المسلمين من حقن الدم وسلامة المال فلمّا أضاء إيمانهم الظاهر ما حولهم أماتهم الله وصاروا في ظلمات عذاب الله في الآخرة لا يرون منها خروجاً ولا يجدون عنها محيصاً { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } في العيُون عن الرضا عليه السلام أن الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ولكنّه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف وخلّى بينهم وبين اختيارهم.

{ (18) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ }: يعني في الآخرة كما قال عز وجلّ:وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً } [الإسراء: 97].

أقول: وفي الدنيا أيضاً عمّا يتعلّق بالآخرة من العلوم والمعارف ولذلك يحشرون يومئذ كذلك قال الله تعالى:لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ } [الأعراف: 179] يعني أمور الآخرة في الدنيا. وقال أيضاًفَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [الحج: 46] وقال أيضاًوَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ } [الأعراف: 198] فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } عن الضلالة إلى الهدى.

{ (19) أَوْ كَصَيّبٍ }: قيل يعني أو مثل ما خوطبوا به من الحق والهدى كمثل مطر إذ به حياة القلوب كما بالمطر حياة الأرض مِنَ السّمَاءِ من العلوّ.

{ فِيهِ ظُلُمَاتٌ } مثل للشّبهات والمصيبات المتعلّقة به { وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ } مثل للتخويف والوعيد والآيات الباهرة المتضمنة للتبصير والتسديد { يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ } لئلا يخلع الرّعد أفئدتهم أو ينزل البرق بالصاعقة عليهم فيموتوا فان هؤلاء المنافقين فيما هم فيه من الكفر والنفاق كانوا يخافون أن يعثر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلم على كفرهم ونفاقهم فيقتلهم أو يستأصلهم فإذا سمعوا منه لعناً أو وعيداً لمن نكث البيعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا فتتغيّر ألوانهم فيعرف المؤمنون أنّهم المعنيّون بذلك { وَاللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرينَ } مقتدر عليهم لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم وأبدى لك أسرارهم وأمرك بقتلهم.

السابقالتالي
2