الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرَدْنَآ أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَـاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً } * { وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِـع عَّلَيْهِ صَبْراً }

{ (81) فَأَرَدْنا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ } ان يرزقهما بدله ولداً خيراً منه وقرىء يبدّلهما بالتّشديد { زَكَاةً } طهارة من الذّنوب والاخلاق الردية { وَأَقْرَبَ رُحْماً } رحمة وعطفاً على والديه وقرء بضمّتين.

في الكافي والفقيه والمجمع عن الصّادق عليه السّلام والعيّاشي عن احدهما عليهما السلام انّهما اُبدِلا بالغلام المقتول ابنة فولد منها سبعون نبيّاً.

{ (82) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا } اي الحلم وكمال الرّأي { وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَبِّكَ }

في الكافي والعيّاشي عن الصّادق عليه السلام انّه سئل عن هذا الكنز فقال اما انّه ما كان ذهباً ولا فضّة وانّما كان اربع كلمات لا إِله الاّ انا مَنْ اَيْقَنَ بِالْمَوْتِ لَمْ يَضْحَكْ سِنّهُ وَمَنْ اَيْقَنَ بِالْحِسابِ لَمْ يَفْرَح قَلْبُه وَمَنْ اَيْقَنَ بِالْقَدَرِ لَمْ يَخْشَ اِلاَّ الله

وفيه عن الرّضا عليه السلام كان في بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم عَجِبْتُ لمَنْ اَيْقَنَ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَفرَحُ وَعَجبْتُ لِمَنْ اَيْقن بِالقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ وَعَجبْتُ لِمَنْ رَاَى الدْنيا وَتَقَلُّبَها بِاَهْلِها كَيْف يَركن الَيْها وَيَنْبغي لِمَنْ عَقلَ عَنِ الله اَنْ لا يَتَّهِم الله في قَضائِهِ وَلا يَسْتبَطُئه في رِزْقهِ

وفي المعاني عن امير المؤمنين عليه السلام.

والقمّي عن الصّادق عليه السّلام كان ذلك الكنز لوحاً من ذَهب فيه مكتوب بِسمِ الله لا إِله الاّ الله مُحمَّدٌ رَسُولُ الله عَجِبْتُ لِمَنْ يَعْلَم اَنّ الْمَوتَ حقٌّ كَيْفَ يَفْرَحْ عَجِبْتُ لِمَنْ يُؤْمِنُ بالقَدَر كَيْف يَحْزَن عَجِبْتُ لِمَنْ يَذْكُرُ النّار كَيْف يَضْحَكُ عَجِبْتُ لِمَنْ يَرَى الدُّنيا وَتَصرُّف اَهْلِهَا حالاً بعد حال كَيْفَ يَطْمَئِنُّ اِلَيْها وفي الكنز روايات اخر بزيادة ونقصان.

والعيّاشي عن الصّادق عليه السّلام انّ الله ليحفظ ولد المؤمن الى الف سنة وانّ الغلامين كان بينهما وبين ابويهما سَبعمئة سنة.

وعنه عليه السلام انّ الله ليصلح بصلاح الرّجل المؤمن ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته ودويرات حوله فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله ثم ذكر الغلامين وقال الم تر انّ الله شكر صلاح ابويهما لهما.

وفي العوالي عنه عليه السّلام لمّا اقام العالم الجدار اوحى الله الى موسى عليه السلام انّي مجازي الابناء بسعي الآباء ان خيراً فخيراً وان شرّاً فشرّاً لا تزنوا فتزني نساؤكم مَن وَطى فراش مسلم وُطي فراشه كما تدين تدان { وَمَا فَعَلْتُهُ } وما فعلت ما رأيته { عَنْ أَمْرِي } عن رأيي وانّما فعلته بأمر الله عزّ وجلّ.

في العلل عن الصادق عليه السلام في قوله فَأَرَدتُ أَنْ أَعِيبَها فنسب الارادة في هذا الفعل الى نفسه لعلّه ذكر التعييب لأنّه اراد ان يعيبها عند الملك اذا شاهدها فلا يغصب المساكين عليها ولو اراد الله صلاحهم بما امر به من ذلك وقال في قوله فخشينا ان يرهقهما انّما اشترك (اشرك خ ل) في الانانيّة لأنّه خشي والله لا يخشى لأنّه لا يفوته شيء ولا يمتنع عليه أَمر اراده وانّما خشي الخضر من ان يحال بينه وبين ما امر به فلا يدرك ثواب الامضاء فيه وَوقع في نَفسه انّ الله جَعله سبباً لرحمة ابوي الغلام فعمل فيه وسط الامر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى (ع) لأنه صار في الوقت مخبراً وكليم الله موسى مخبراً ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر الرتبة على موسى (ع) وهو افضل من الخضر بل كان لاستحقاق موسى للتّبيين وقال في قوله فاَراد ربّك فتبّرأ من الانانيّة في آخر القصص ونسب الارادة كلّها الى الله تعالى ذكره في ذلك لأنّه لم يكن بقي شيء ممّا فعله فيخبر به بعد ويصير موسى به مخبراً ومصغياً الى كلامه تابعاً له فتجرّد من الانانيّة والارادة تجرّد العبد المخلص ثم صار متنصّلاً ممّا أتاه من نسبة الانانيّة في أوّل القصّة ومن ادّعاء الاشتراك في ثاني القصّة فقال رحمة من ربّك وما فعلته عَن امري { ذلِكَ تَأْوِيِلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَلَيْهِ صَبْراً } اي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفاً قيل ومن فوائد هذه القصّة ان لا يعجب المرء بعلمه ولا يبادر الى انكار ما لا يستحسنه فلعلّ فيه سرّاً لا يعرفه وان يداوم على التّعلم ويتذلّل للمعلّم ويراعي الأدب في المقال وان ينبّه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتّى يتحقّق اصراره ثمّ يهاجر عنه.