الرئيسية - التفاسير


* تفسير الصافي في تفسير كلام الله الوافي/ الفيض الكاشاني (ت 1090 هـ) مصنف و مدقق


{ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ } * { لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } * { أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

{ (17) أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا } في الصِّغر والكبر وعلى حسب المصلحة { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً } مرتفعاً { وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ } من أنواع الفلزّات كالذّهب والفضّة والحديد والنحاسِ وقرىء توقدون بالتاءِ { ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ } طلب حلية { أوْ مَتَاعٍ } كالأواني وآلات الحرث والحَرْب { زَبَدٌ مِثْلُهُ } أي وممّا يوقدون عليه زبد مثل زبد الماءِ هو خبثه { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ } أي مَثَلهما مثل الحق في افادته وثباته بالماءِ الذي ينزل من السّماءِ فتسيل به الأودية على وجه الحاجة والمصْلَحَةِ فنيتفع به أنواع المنافع ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منابعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والآبار وبالفلزّ الذي ينتفع به صوغ الحليّ واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة والباطل في قلّة نفعه وسرعة اضمحلاله بزبدهما { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً } يجفأ به أي يرمي به السّيل أو الفلزّ المذابُ { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ } كالماءِ وخلاصة الفلزّ { فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } ينتفِع به أهلها { كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ } لايضاح المشتبهات.

القميّ يقول انزل الحقّ من السماء فاحتمله القلوب بأهوائها ذو اليقين على قدر يقينه وذو الشكّ على قدر شكّه فاحتمل الهوى باطلاً كثيراً أو جفاءً فالماء هو الحق والأودية هي القلوب والسيل هو الهوى والزبد وخبث الحلية هو الباطل والحلية والمتاع هو الحق من أصابَ الحلية والمتاع في الدنيا انتفع به وكذلك صاحب الحق يوم القيامة ينفعه ومن أصاب الزبد وخبث الحلية في الدنيا لم ينتفع به وكذلك صاحب الباطل يوم القيامة لا ينتفع به.

وفي الإِحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قد بينّ الله قصص المغيّرين فضرب مثلهم بقوله فامّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض فالزبَدُ في هذا الموضع كلام الملحدين الذين اثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيهِ الباطِل من بين يديهِ ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محلّ العلم وقراره الحديث وقد مضى تمامه في المقدمة السادسة.

{ (18) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِهِّمُ الْحُسْنَى } الإِستجابة الحسنى { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ } يعنى كذلك يضرب الله الأمثال للفريقين وما بعده كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين ويحتمل عدم تعلّقه بما قبله ويراد بالحسنى المثوبة الحسنى ويكون ما بعده متعلّقاً به { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ }.

في المجمع عن الصادق عليه السلام هو أن لا تقبل لهم حسنةً ولا تغفر لهم سيّئة.

وفي الحديث من نوقش في الحِسابِ عذب { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } المستقر القميّ يمهدون في النار.

{ (19) أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِليْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ } فيستجيبُ { كَمَنْ هُوَ أَعْمَى } القلب لا يستبصر فيستجيب والهمزة للانكار يعني لا شبهة في عدم تشابههما بعدما ضرب من المثل فانّ بينهما من البون ما بين الزّبد والماءِ والخبث والأبريز { إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ذوُو العقول المبّرأة عن مشايعة الالِفِ ومعارضة الوهم.

العياشي عن الصادق عليه السلام أنّه خاطب شيعته بقوله أنتم أُولوا الألباب في كتاب اللهِ قال الله إنّما يتذكر أولوا الألباب.