الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ ٱلنَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْاْ أَعْمَالَهُمْ }

صدور الناس: خروجهم من مكامن قبروهم وأجداث أجسادهم الأرضيّة إلى الله تعالى، كما في قوله:فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } [يس:51]. وقوله:يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [المعارج:43]. وبروزهم من أغشيتهم الماديّة وأغطيتهم الهيولانيّة إلى عالم الآخرة كما في قوله:وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً } [إبراهيم:21]. أشتاتاً متفرّقين وأنواعاً متكثّرين.

فحشر الخلائق على أنحاء مختلفة حسب أعمالهم وأفعالهم ونيّاتهم ومعتقداتهم، فلقوم على سبيل الوفديَوْمَ نَحْشُرُ ٱلْمُتَّقِينَ إِلَى ٱلرَّحْمَـٰنِ وَفْداً } [مريم:85]. ولقوم على نهج سياق الدواب:وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [مريم:86]. ولقوم:إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } [غافر:71 - 72]. ولقوم:وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً } [طه:102]. ولقوم:وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } [طه:124]. وقوم مكبّون على وجوههم:أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَىٰ وَجْهِهِ } [الملك:22].

وبالجملة يحشر كلّ أحد إلى غاية سعيه ونهاية عمله، وما كان يحبّه في الدنيا ويعمل لأجله، حتّى أنه لو أحبّ أحدكم حجراً لحُشر معه.

فإنّ تكرّر الأفاعيل يوجب حدوث المَلَكات، وكلّ مَلَكة وصفة نفسانيّة تغلب على باطن الإنسان تتصوّر في الآخرة بصورة تناسبهاقُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ } [الإسراء:84] ولا شكّ أن أفاعيل الأشقياء المردودين المدبرين إنّما هي بحسب هممهم القاصرة النازلة في مراتب البرازخ الحيوانيّة، وتصوّراتهم مقصورة على أغراض بهيميّة أو سَبُعيّة تغلب على نفوسهم، فلا جَرَمَ يُحشرون على صور تلك الحيوانات المناسبة لأفعالهم ومَلَكاتهم، كما في قوله تعالى:وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } [التكوير:5].

وفي الحديث: " يحشر بعض الناس على صورة تحسن عندها القِردة والخنازير ".

حكمة إلهية:

إنّ الإنسان من حيث بدنه الدنيوي، ونفسه المتعلّقة بها، نوع واحد وله حد واحد، ولكن من جهة نشأته الثانية، والصورة الأخرويّة والفائضة على موادّ النفوس بحسب هيآتها النفسانيّة، ستصير أنواعا كثيرة.

والسبب اللِمّي في ذلك أنّ النفس الإنسانيّة لها جهتان: جهة قوّة وجهة فعل.

فهي من حيث فعليّتها صورة فائضة على مادّة البدن، وهي من هذه الحيثيّة أمر واحد هو مبدأ فصل الإنسان، يمتاز به عن سائر المركّبات الحيوانيّة وغيرها.

وأمّا من جهة كونها بالقوّة، فلها استعداد كلّ صفة من الصفات النفسانيّة، ولها قوّة كلّ صورة من الصوَر الأخرويّة، فتخرج من القوّة إلى الفعل في كلّ أمر يغلب عليها صفاته وهيآته.

وهاتان الجهتان لا تكثّران ذاته، ولا توجبان تركّبه من مادّة وصورة، لأنّهما بحسب نشأتين، فما هو صورة في هذه النشأة فهو بعينه مادّة النشأة الثانية، فهي كأنّها واسطة بين الطرفين، وبرزخ بين العالَمَين, وحاجز بين البَحْرين، وسور له باب باطنُهُ فيه الرحمة وظاهرُهُ من قِبَله العذاب، ولهذا المعنى سمّاها بعض المحقّقين طراز عالم الأمر، لأنّها نهاية الجسمانيّات وبداية الروحانيّات.

فثبت بالحكمة الموضحة والبرهان النيّر، أنّ الإنسان - وإن كان بحسب النشأة الحسيّة نوعاً متشابهة أفراده متماثلة أعداده -، إلاّ أنّه عند خروج أعداد نفوسها من القوّة الهيولانيّة إلى فعل الصور الباطنيّة، ستصير أنواعاً متخالفة بحسب غلبة الصفات ورسوخ المَلَكات، كلّ نوع من جنسِ ما يغلب عليه من صفات البهائم أو السباع أو الشياطين أو الملائكة، إذ قد خمّر في طينة الإنسان من جهة قوته العلميّة المتشعّبة إلى العاقلة المدركة للكليّات بذاتها، والواهمة المدركة للجزئيّات بآلاتها الخياليّة الحسيّة والعمليّة الشوقيّة المتشعبّة إلى قوّة الشهوة لطلب الملائم، وقوّة الغضب لدفع المنافر.

السابقالتالي
2 3 4