الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } * { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } * { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } * { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ }

إعلم أنّ هذا المطلوب يتوقّف على معرفة مقاصد ثلاثة:

الأوّل: صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وصفاته وجوهره.

والثاني: كيفيّة تكميل الناقصين منه.

والثالث: اختلاف الناس في قبول هذا الكمال منه.

أمّا الأول: فاعلم أنّ النبي - من حيث هو نبيّ - إنّما تتحقّق نبوّته بكمال وشرف يتعلّق بنفسه وروحه، لا بقوّة وحشمة تتعلّق ببدنه وجسمه، وكمال النفس يكون بوجهين:

أحدهما: توجّهه إلى الحقّ وهو الذي يعبّر عنه بالقوّة النظريّة، وهو ما يكون كمالاً لها بحسب هويّتها وذاتها، وعند رجوعها إلى باريها وعودها إلى عالمها ونشأتها.

والثاني: توجّهه إلى الخلق الذي يعبّر عنه بالقوّة العمليّة، وهو ما يكون كمالاً لها بحسب نسبتها إلى أمور خارجة عنها، بتأثيرها فيها وعدم انفعالها عمّا دونها، وبتكميلها وإمداداها ونفعها فيما سواها، وعدم قبول النقص والآفة والشرّ من أضدادها وأعدائها، فنفس النبيّ - لكونه متوسّطا بين الحقّ والخلق - لا بدّ وأن تكون كاملة في هاتين القوّتين جميعاً، وإن كان الكمال الحقيقي والقرب من الحقّ يمكن أن يتحقّق بمجرّد استكمال القوّة العقليّة مع التوسّط في العمليّة كبعض أولياء الله المقرّبين.

وأمّا الكاملين في العمل - دون العلم -، فهم ليسوا من الكاملين في الحقيقة، بل لهم نوع نجاة وصلاح حال في الآخرة، وليس لهم رتبة النبوّة والخلافة عندنا - خلافاً لجماعة من المتكلّمين - حيث لم يشترطوا إلاّ العلم بما يتعلّق بالأحكام والسياسة الجمعيّة، والحكومات الفصليّة في الخصومات، وسائر ما يتعلّق بحفظ الحياة الدنيويّة، وذلك لذهولهم عن أنّ الغرض الأصلي من بعثة الأنبياء، وإنزال الكتب السماويّة والصحف الملكوتيّة، سياقة الخلق إلى جوار رحمة الله وجوده، بتعليمهم طريق المعرفة لتتنوّر ذواتهم، وتصير مناسبة للعالَم الآخر، والغرض من تعيّش الإنسان مدّة أمهله الله تعالى فيها، هو تحصيله زاداً للآخرة بالعلم بحقائق الأمور، بشرط قطع علائقه وعوائقه عن عالَم الغرور بالتقوى.

فالبتقوى يحصل الخلاص والنجاة، وبالعلم يحصل القرب والمنزلة عند الله، والمتوسّط بينه وبيننا لا بدّ وأن يكون كاملاً في العلوم الحقيقيّة، بإلهام الحقّ تعالى بوساطة بعض الملائكة العقليّة لا بالتعلّم، وإلاّ لم يكن متوسّطا بين الحقّ والخلق، بل بين الخلق والخلق، فلم يكن ما فرضناه نبيّاً نبيّاً - هذا خلف -.

ولا بدّ أن يكون كاملاً فيما يتعلّق بالأحكام والسياسات الدينيّة مؤيّداً بالمعجزات الظاهرة لتكون دعوته للخلق مسموعة لهم خوفاً من سطوته وسياسته، وإلاّ فالجحود والإنكار والاستنكار عن سماع الحقّ، والاشتغال بطلب الشهوات غالب على أكثر الخلق، فلا يمكن إيصال المعاني اللطيفة إلى قلوبهم إلاّ بعد أن تلين قلوبهم ويسكن انكارهم ويزول استكبارهم.

فثبت أنّ النبي لا بدّ وأن يكون كاملاً في القوّتين: العقل والعمل، قويّاً في النشأتين: الأخذ من الحقّ والتبليغ إلى الخلق.

السابقالتالي
2 3 4 5