الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } * { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ }

ليس المراد من صيغة الأمر في مثل " سبِّح " و " أحمد " " واشكُر " و " اذكُر " بحسب الوضع العرفي، مجرّد التلفّظ بما يدلّ على وقوع معناه الحِدثي، بل المراد إيقاع معانيها وإدخالها في الوجود بوجه يتأتى من المخاطب المأمور، وكذلك ليس المطلوب في لفظ " سبِّح " هنا مجرّد قولك " سبحان ربّي الأعلى " ، ولا في آخر الواقعة مجرّد قولك " سبحان ربّي العظيم " فقط، نظراً إلى ظاهر ما روي في الحديث: انّه " لمّا نزلت: { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } [الواقعة:74] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إجعلوها في ركوعكم، فلمّا نزلت: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } - قال: اجعلوها في سجودكم " وكانوا يقولون في الركوع " اللهم لك ركعت " وفي السجود: " اللهمّ لك سجدت ". بل المقصود الأصلي منه تحصيل العلم والمعرفة بتنزيهه تعالى عمّا لا يصحّ فيه من النقائص الإمكانيّة، وتقديسه عمّا لا يجوز له من المثالب الجسمانيّة، وكل ما يوجب ثلما لوحدانيّته الحقّة، ويلزم نقصاً على وجوب وجوده من التكثّر والتغيّر والتجسّم والتصرّم وساير مذاهب الجاهليّة في ذاته أو في صفاته، والإلحاد في عظمة اسمائه وحيثيّاته، كالجبر والتشبيه والسفه والتعطيل الناشية من قصور أو خلل أو فساد في البصيرة الباطنيّة كحَوَل الفلاسفة، وَعَوَر المعتزلة، وَعَمَه الأشاعرة، وكَمهَ الحنابلة، ونحو ذلك، مثل أن يفسّر " الأعلى " في هذه الآية بمعنى الارتفاع عن درجة الإمكان، والعلوّ عمّا تصل إليه العقول والأذهان بقوّة الدليل والبرهان، لا بمعنى العلوّ في المكان، والإستواء على العرش حقيقة.

وهاهنا سرّ آخر، وهو أنّ المراد بالتسبيح في عرف المتألّهين، كون المسبّح ذاتاً مجرّدة عن الموادّ وعوارضها، والأجسام وصورَها، لأنّ مبدأ كلّ صفة على وجه الكمال، يجب أن يكون في مرتبة ذاته متحقّقاً بها على وجه آكد وأقوى.

فمعنى قوله: { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } أي: جرِّد ذاتك عن الدنيا وغواشيها، حتّى تعرف تقدّس اسم الله عن النقائص الإمكانيّة، واجلُ مرآة قلبك عن مطالعة الكائنات، حتّى يمكنك ملاحظة ذاته وصفاته وأفعاله من غير شوب تشبيه في ذاته وتعطيل في صفاته، وتغيير وتبديل في سنن أفعاله.

ويحتمل أن يكون المراد من { ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } المعلول الأوّل، وهو المَلَك المقدّس الروحاني، فإنّ اسم الحقّ - جلّ شأنه - ليس من جنس الأصوات، وعلامة ذاته لا تكون كعلامة سائر الذوات من الهيآت والتشكيلات العارضة للهواء، الخارج من المخارج، بل علامة ذاته واسمه المقدّس ما يناسب ويليق لحقيقته الحقّة الأحديّة.

والعبارة أيضاً لا تساعد على غير هذا إذ الأمر بتسبيح الاسم - بمعنى الصوت - غير مناسب، لأنّه يسبّح به، لا يسبّح له.

السابقالتالي
2 3