الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ } * { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } * { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا }

تزكّى، أي: تطّهر من الشرك والمعاصي، والمراد تنقية القلب والباطن عن الرذائل، استعداداً للصلاة العقليّة، واستفاضة المعارف الحقيقيّة بالتكلّم الحقيقي مع الله، فإن الصلاة معراج المؤمن، والمصلّي مناج ربّه، أو تطهّر للصلاة، وهذا بحسب تنظيف الثوب وتهذيب البدن عن الأخباث والأحداث استعداداً للصلاة الجسمانيّة التي هي رياضة جسدية للمؤمن بحسب حياته الحيوانيّة.

ونسبة الصلاة المعنويّة إلى هذه الصلاة الظاهريّة نسبة الروح إلى البدن، حيث يحتاج كلّ منهما إلى الآخرة ما دامت الحياة الدنيا باقية، وأمّا عند الآخرة، فلا تنقطع عن المعارف تلك الصلاة الروحانيّة أبداً.

وقيل: معنى: تَزكَّى - تكثّر في التقوى، لأنّه من الزكاء وهو النماء، أو " تفعّل " من الزكاة، كتصدّق من الصدقة.

فَصَلّى - أي: فصلّى الصلوات الخمس وغيرها، كمثل قوله:وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } [البقرة:177].

وعن أمير المؤمنين (ع): أي: أعطى زكاة الفطر فتوجّه إلى المصلّى فصلّى صلاة العيد. وذكر اسم ربّه فكبَّر تكبيرة الافتتاح.

وبه يحتجّ على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنّها مغايرة للصلاة لأنّها معطوفة عليها، وعلى أنّ الافتتاح جايز بكلّ اسم من أسماء الله تعالى.

وعن ابن عباس: ذكر معاده وموقفه بين يدي ربّه فصلّى له.

والوجه العرفاني في هذه الآية: أنّ الصلاة الجسمانيّة وإن كانت عبدة بدنيّة، لكن صحّتها موقوفة على معرفة المعبود، وتذكّره بأسمائه وصفاته التي تليق به، بل الأعمال كلّها لا تتمّ شرعيّتها وصحّتها إلاّ بنيّة التقرّب اليه، والطاعة لأمره ونهيه، وخصوصاً الصلاة من جملتها، لأنّها عماد الدين، وبها تمتاز هيئة الإنسانيّة في ظاهر الأمر عن هيئة الحيوانات التي لا خضوع لها، فذكر " الذكْر " هنا من باب المقدّمة لما ذكرنا أنّ سَوْق الآية لبيان قسمة حال الإنسان إلى السعادة العمليّة والشقاوة التي بإزائها فيما تقدّم. والوجه في اختصاص الصلاة والزكاة من بين الأعمال الصالحة هو أنّ الغرض من الأعمال الرياضة البدنيّة لتحصل للروح هيئة التنزّه عن الأعراض الحسّية والتجرّد عن الأمور الكثيفة الماديّة الظلمانيّة، وصفة الاستعلاء لها على القوى الإدراكيّة والتحريكيّة لتجرها بالتعويد من عالم الغرور إلى عالم السرور، ومن معدن الجور والزور والثبور إلى منبع الحياة والرحمة والنور، حيث لا تزاحمها في مطالبها بل تشايعها في مآربها وتهتدي بهداها وتطيعها وتسلم لها في أوامرها وزواجرها حتّى تنخرط معها في سلك طاعة الله وعبوديّته.

ثمّ لا شبهة في أنّ بناء تمرّد القوى وعصيانها عن طاعة الله إنّما يكون بأحد أمرين: أولهما: ميلها إلى الشهوات والمرغوبات الحسيّة المضادّة للأمور الروحانيّة والأغراض العقليّة. وثانيهما: الكسل والتبطّي عن طاعة العقل وإزالة كلّ منهما لا يكون إلاّ بقطع سببه وحسم مادّته أو بورود ضدّه عليه، وعمدة أسباب الوصول إلى الشهوات هو المال، لأنّ بالمال يتمكّن الإنسان من تناول كلّ لذيذ، ومباشرة كلّ شهيّ فبترك المال يقطع جميع أسباب الشهوات الدنيوية، وهو المراد بقوله: { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ }.

السابقالتالي
2